يقسم فعالياته الحياتية إلى قطاعات ومساحات منفصلة، يسعى في كل منها إلى تشكيل مصيره في إطار ذلك القطاع أو تلك المساحة وبطريقة (انعزالية) تماماً عن سائر الفعاليات، وهو خلال ذلك لابد أن يشعر بالتناقض المرير بين فاعليات حياته جميعاً، وينظر -أخيراً- فيرى حياته وقد تشتت وكيانه الذاتي وقد أصيب بالازدواج، أشعر -وهذا شعور كثير من الناس الذين هم من جيلي- أشعر أن هناك خطأ في التفريق بين الروح والجسد .. إنني أحلم بشكل من الحياة فيه يسعى الإنسان (كله) روحاً وجسداً في سبيل تحقيق ذاتي أعمق بشكل لا تكون فيه الروح والمشاعر عدوين كل منهما للآخر، وفيه يستطيع الإنسان أن يتحقق بالوحدة في ذات نفسه وبمعنى مصيره" [1].
لقد فتح ذلك الإنسان وعيه على حقيقة محزنة، وهي أن ليس ثمة مصير موحد يتحقق وينتمي إليه، ومن ثم غدت حياته مزقاً مبعثرة لا يجمعها رباط ولا يشدها مصير، يدخل للمحراب ويسجد لله ويلعن الطبيعة، ويخرج إلى المصنع لينحني للآلة ويكفر بالله، ويركض وراء العقل ليخطط له منهاجاً في الحياة الاجتماعية، ويسعى إلى الدين ليهبه الطريق في حياته الفردية، دنياه تتجه إلى الشمال وأخراه تتجه إلى اليمين، فإن أراد الدنيا ابتعد عن الآخرة، ضاع منه مصيره الخالد، وإن أراد الآخرة ابتعد عن الدنيا، فضاع منه مصيره الحيوي القريب، وإن وقف في المنتصف يريد أن يوحد مصيره: هنا وهناك، روحه وجسده، عقله وإلهه، محرابه ومصنعه، تمزق لأنه يعتقد حتى -قرارة ذاته- أن إرادة الله تسير باتجاه معاكس تماماً لإرادة الإنسان، ولما كانت حياة الإنسان (لا تفرغ) من المعنى، بل هي استمرار شعوري أو فكري وعملي، ولما كان هذا الإنسان في حالة الاستمرار التي يحياها يسعى إلى تشكيل مصائر شتى اصطنع بينها التناقض والصدام، فيمكن [1] من قوله: (أشعر ... إلى هنا من كلام محمد أسد).