مؤمناً أن يحمل هذه الروحانية تبعة الجمود الفكري وما ينتج عنه من تأخر وجهل، ولكن المتفقهين لا يكتفون بهذا ولا يقفون عند هذا الحد، بل هم يتوسعون في فقههم، ويحشرون الروحانية في كل أمر من أمور الدنيا حتى كادوا يقيدون بها العقل البشري، ويمنعونه من الانطلاق مبشرين بالحتمية التي توحي بها الروحانية، ومغلقين الباب دون أي جدل أو نقاش أو معرفة ويذهب بعضهم إلى أبعد من التبشير، إذ يسن الشرائع كي يتقيد بها الناس في حياتهم الفردية والعائلية والمعاشية والاجتماعية والاقتصادية موهميهم أن هذه الشرائع إنما هي وحي هبط من الله الكلي القدرة، فمن يخضع لها كانت له السعادة السرمدية، ومن يكفر بها أو يبحث فيها يستحق العذاب في دنياه، ويستحق نار جهنم فيما وراء دنياه" [1].
أليس هذا هو بعينه ما يريده رافعو شعار (الدين لله والوطن للجميع)، وشعار (لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين) من أدعياء الإسلام، أو ليس هذا -أيضاً- هو ما يطبقه الذين يجعلون للدين برامج (روحية) ضمن أجهزة الإعلام الشيطانية وأحكاماً شخصية ضمن قوانين الحكم الجاهلية، ويقولون: إن مكان الدين هو المسجد فقط، ويحجون لبيت الله في العمر مرة، ويقصدون بيوت أعداء الله شرقاً وغرباً كل حين يتلقفون المناهج ويتلقون التشريعات؟!
أي قيمة لمثل هذه الأقوال والادعاءات والواقع المأساوي في أوروبا الذي عرضنا نماذج له في كل مجال يكذبها وينافيها؟! أوروبا التي طبقت العلمانية على الفكر والحياة من قبلنا فلم تجن إلا الدمار والضياع، ألا نتعظ بها ونستفيد من تجربتها؟! أليس الأجدر بالمسلمين [1] قصة الإنسان، جورج حنا: (258).