لماذا تجربونني يا مرآءون، أروني معاملة الجزية، فقدموا له ديناراً فقال لهم: لمن هذه الصورة والكتابة؟ قالوا له: لقيصر. فقال لهم: أعطوا إذن ما لقيصر لقيصر وما لله لله. فلما سمعوا تعجبوا وتركوه ومضوا".
كان المسيح -عليه السلام- وأتباعه قلة مضطهدة تتبنى دعوة جديدة ناشئة، فلم يكن في مقدورها أن تصطدم بالامبراطورية الطاغية، وتواجهها بعداوة سافرة، ولم تكن هذه المواجهة مطلوبة منها وهي لا تزال في طور الدعوة -يقابل ذلك في الإسلام فترة ما قبل فرض الجهاد- وهذا الطور يقتضي الالتزام بمبدأ (كفوا أيديكم) كيلا يستثار عدو باطش فيفتك بالدعوة في مهدها.
هذا المنهج في الدعوة لاحظه الفريسيون -أعدى أعداء المسيح- فسولت لهم أنفسهم الحاقدة أن يدبروا مكيدة للمسيح ودعوته، بحيث تخرج الدعوة عن منهجها ومسارها المقرر وتناوئ الأوضاع القائمة مباشرة، وبذلك يجدون طريقة للإيقاع بالمسيح لدى الحاكم الروماني فكان هذا السؤال الخبيث.
والواقع أنه ليس في استطاعة المسيح -عليه السلام- والقلة المسلمة معه ولا من منهج دعوته أن يرفضوا دفع الجزية للجابي الروماني، الذي يجمعها من كل رعايا الامبراطورية ويدفعها للطاغوت قيصر، ولكن هذا لا يعني أبداً أن المسيح عليه السلام يقر ذلك الواقع الظالم، ويعترف لقيصر بحق مساواة الله في خلقه ويجعله شريكاً له في ألوهيته كما فهمت الكنيسة.
فالمسيح عليه السلام -لو صحت العبارة- وافق على إجراء مؤقت تقتضيه ضرورة الواقع وطبيعة الدعوة المرحلية.