وهذه الحقيقة الكبرى تقف كالصخرة الصماء أمام جهود المستشرقين وفلول الحاقدين على الإسلام قديماً وحديثاً، لم يستطيعوا منها نيلاً ولا تحويلاً.
أما تحريف الشريعة بفصلها عن شئون الحياة وقصرها على طائفة مخصوصة، بل على فترات محدودة من حياة تلك الطائفة، فقد حفظ الله تعالى دينه الحق من ذلك -أيضاً- ولم تمر على الإسلام تلك الظروف التاريخية السيئة التي حالت دون تطبيق شريعة عيسى عليه السلام:
فالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يلحق بالرفيق الأعلى حتى كانت للإسلام دولة يقوم كل جليل من أمرها ودقيق على هديه الإلهي، دولة فريدة في عالم الأرض كله، واستمرت دولة الإسلام تنمو وتتسع، وانضوى تحت حكم الله شعوب، وأمم العالم المتحضر من بلاد الصين إلى المحيط الأطلسي، ولم يبق خارجاً عن دائرته إلا أوروبا التي كانت مطمورة في ظلمات بعضها فوق بعض، والقبائل الوحشية في أواسط أفريقية وشمال وجنوب شرق آسيا، وهكذا لم تتعرض الشريعة الإسلامية لاضطهاد يذهب معالمها ويطمس حقائقها، ويجعل تطبيقها في واقع الحياة أمراً مستحيلاً، كما حدث للنصرانية.
هذا بالنسبة للعوامل الخارجية، أما العوامل الذاتية فإن الشريعة الإسلامية سلمت من عبث العابثين وتحريف المبطلين، فعلى الرغم من كثرة الفرق الهدامة والطوائف الموتورة فإنها جميعاً عجزت عن تحقيق أهدافها، وغمرها التاريخ في طياته، والشريعة غضة طرية كأنما أنزلت اليوم.