تفرق بين مجتمع ومجتمع وحضارة وحضارة، بل هي الحد الفاصل بين الحضارات التي أينعت وعاشت والحضارات التي ذبلت وماتت.
والحضارة المصرية القديمة من الطراز الذي أعطى المرأة حقها واعترف بها، ومنحها حقها كاملاً في البيت وفي ميدان العمل والحياة، بل إن عينيك لا تقع على رسم مصري قديم إلا وجدت المرأة فيه إلى جانب الرجل، ورأيتها رافعة الرأس تسير معه وتعمل معه ...
وحضارة مصر مشتركة من هذه الناحية الأساسية مع (حضارتنا) الراهنة، وأنا أقول: حضارتنا لأنك سترى أن ما نسميه -اليوم- بحضارة الغرب إن هو إلا الحضارة المصرية القديمة متطورة في اتجاه مستقيم" [1].
وهكذا ظل الناعقون يصيحون من كل مكان، ويسلكون كل اتجاه -فكرياً أم عملياً- حتى آل الأمر إلى الواقع المؤلم الذي عبر عنه أوفى تعبير جان بول رو بقوله: "إن التأثير الغربي الذي يظهر في كل المجالات ويقلب رأساً على عقب المجتمع الإسلامي، لا يبدو في جلاء أفضل مما يبدو في تحرير المرأة" [2].
لقد عمت الفوضى الأخلاقية العالم الإسلامي من أقصاه إلى أدناه على تفاوت في ذلك، وتولى الجيل الذي رباه المستعمرون تربية جيل جديد أكثر مسخاً وانحلالاً، وحوربت أحكام الله على يد أبطال الاستقلال أكثر مما حوربت بأيدي المستعمرين، ولنستمع إلى رو وهو يقرر ذلك قائلاً: "في تركية سنة 1929 صدر قانون مدني على غرار قانون [1] مصر ورسالتها: (51 - 52). [2] الإسلام في الغرب: (178).