في مسألة السفور والحجاب إلى طور العمل والتنفيذ، فلست تجد بين المصريين إلا المخلفين منهم من يتساءل اليوم عن السفور هو من الدين أم لا؟ ومن العقل أم لا؟ ومن ضروريات الحياة الحديثة أم لا؟ بل نجدهم حتى الكثير من الرجعيين المحجبين منهم يؤمنون بأن السفور دين وعقل وضرورة لا مناص لحياة المدينة عنها.
أما إخواننا السوريون فيلوح أن للسفور والحجاب عندهم تاريخياً غير تاريخه في مصر، فهم لم يتجاوزا بعد طور البحث النظري الذي بدأه بيننا المرحوم قاسم أمين منذ أكثر من عشرين سنة، ولكنهم على ذلك يسيرون معنا جنباً إلى جنب في الطور الجديد الذي نسير فيه، طور السفور الفعلي الكلي الشامل) [1].
وأما بلاد المغرب فقد كانت تونس أسبقها إلى السفور والدعوة إليه، إذ كتب الطاهر الحداد سنة 1930 كتابه امرأتنا في الشريعة والمجتمع وفي الإمكان أخذ نموذج لتأييد فكرته من المحاولة الفنية التي اشترك فيها محمود بيرم شاعراً وعلي الدعاجي راسماً، ذلك أن الشاعر قام يؤرخ للمراحل التي قطعتها المرأة التونسية قبل أن تلقي الحجاب، وذلك من خلال ستة عشر بيتاً جسمت كل رباعية منها مرحلة من مراحل تطور الحجاب، أبرز معانيها ووضحها علي الدعاجي بأربعة رسوم، ظهرت فيها المرأة في وضعيات متباينة.
ترسم الأبيات الأولى والصورة امرأة ضرب البرقع سفحاً دون ظهور أي جزء منها، وقد شبه بيرم انسدال ذلك البرقع الأسود على ذلك الوجه الصبوح بانسدال الليل على النهار:
سجى الليل ألا يرجى ... لهذا الليل من آخر
سواد يحجب الحق ... كقلب الجاحد الكافر [1] مجلة الهلال أغسطس (1928).