المخيلة الواسعة بعض العادات لأنه لم يجد إلى إزالتها سبيلاً وانتهت -أي: الكنيسة- مرغمة إلى قبول المساومة، وقد طغت عليها أمواج الخرافات القديمة الجارفة) [1] فالمؤمن الحق لا يقبل المساومة على دينه مهما قست الظروف والأحوال.
كما لا يبرره -من باب أولى- ما ذهب إليه فشر في قوله: "إن حكمة الكنيسة المسيحية هدت آباءها الأولين إلى قبول ما لم يستطيعوا له منعاً من قديم العادات والتقاليد والمعتقدات، بدليل استقبال الكنيسة لمبدأ تعدد الآلهة الراسخ بين شعوب البحر الأبيض المتوسط وتطويع ذلك المبدأ لما تقتضيه عقائدها" [2].
قد يكون جرم الكنيسة أهون لو أنها عدت عملها هذا تصرفاً استثنائياً مؤقتاً تفرضه عليها الضرورة الطارئة، ثم لا تلبث الشريعة أن تبرز إلى حيز التنفيذ على كل نشاطات الحياة، غير أن الذي تم -فعلاً- هو أنها اتخذت ذلك قاعدة ومنهجاً وسارت فيه إلى أبعد شوط.
وكان أول من سن سنة التنازل عن الشريعة مقابل قبول العقيدة، هو شاؤل (بولس) يقول برنتن:"كانت العقبة الكبرى في وجه الأمميين الذين وجدوا أسلوب الحياة المسيحية جذاباً قانون اليهود" -أي: شريعة التوراة- ثم يشرح برنتن كيف أن بولس أزال هذه العقبة فأفتى بأن (الإغريق والمصريين والرومان الذين يقبلون المسيحية في حل من الختان وفي حل من التقيد بحرفية القانون) [3].
وبمرور الزمن أصبح هذا الانحراف منهجاً [1] مصير الإنسان: (252، 255). [2] تاريخ أوروبا في العصور الوسطى: (1/ 80). [3] أفكار ورجال: (18).