بدافع من أنفسهم، وأنتج ذلك أن كثيراً من المسلمين اعترفوا بهذه النظريات والمعاهد كحقيقة ثابتة، وخضعوا لها بالتدريج، وهكذا استمرت عملية التغريب بسرعة وقوة بالغتين [1].
لم يمض على سيطرة الاستعمار فترة من الزمن حتى كان العالم الإسلامي خاضعاً لتأثير التربية والفكر خضوعاً يتفاوت حسب الأقاليم المختلفة.
ففي تركيا - التي لم تحتل احتلالاً مباشراً - بلغ التأثير ذروته في الردة العقائدية والفكرية العنيفة، التي انتهجها أتاتورك لطمس الإسلام بيد من حديد، وفي الهند فقدت الثقافة الإسلامية ريادتها، وتقوقعت في المؤسسات الأهلية الصغيرة، وضاع كثير من نشاطها في زحمة الصراع الداخلي والخارجي، أما في العالم العربي فلعل أصدق وصف لحاله هو ما قاله توينبي من أن الصراع الفكري فيه بين الأفكار الغربية والإسلام لم ينتج عملاً غربياً ناجحاً، مثل ذلك الذي في تركية، وإنما كان نتاجه هجيناً لا هو غربي ولا هو إسلامي [2].
وقد قال أحد المستشرقين: إن في القاهرة مائتي مطبعة وسبع عشرة، تصدر ما معدله كتاب أو نشرة واحدة في اليوم ثم يستدرك موضحاً أن أكثرية ما يصدر هو ترجمات للقصص الغربية [3] وهذا يعطينا الدليل على مدى ما وصلت إليه الهجنة، فإن أمة تتجه إلى القصص الغرامية في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى ترجمة العلوم التطبيقية والأخذ بأسباب النهضة لجديرة بهذا الوصف.
وقد أخرج هذا الهجين الممسوخ دعوات ونتائج سيئة نذكر منها على سبيل التمثيل ما يلي: [1] عن التربية الإسلامية الحرة: (36 - 37). [2] مختصر دراسة التاريخ: (3/ 113). [3] دراسات في حضارة الإسلام: (318).