ومن بين طلاب هذه المدارس تنتقى نخبة معينة للابتعاث إلى أوروبا وهناك يتم المسخ الكامل لها، لكي تعود إلى بلادها فتقبض على مقاليد الفكر والثقافة وتوجهها حسب إرادة السادة المستعمرين.
والعمل نفسه-مع اختلاف في الوسائل - سلكته فرنسا في الشام وبلاد المغرب، وقد نشأ نتيجة لهذه التربية الاستعمارية جيل مقطوع الصلة بدينه، مفتون بالغرب وتياراته الثقافية المختلفة التي تتفق في شيء واحد هو تحللها من الالتزام بالدين، يتحدث ولفرد كانتول سمث بإجمال عن التأثير الثقافي الغربي قائلاً:
إن من أهم أسباب حركة الحرية والإباحية التي تسود اليوم في العالم الإسلامي، ومن أكبر عواملها نفوذ الغرب، فقد بلغت هذه الحركة أوجها في أوروبا من أواخر القرن التاسع عشر إلى الحرب العالمية الأولى، وهكذا شأن نهضة أوروبا وتقدمها، وقد سافر كثير من الشباب المسلم إلى الغرب واطلعوا على روح أوروبا وقيمها وأعجبوا بها إلى (أبعد) حد، وينطبق هذا بخاصة على الطلاب الذين درسوا في جامعات أوروبا بعدد لم يزل يزداد مع الأيام، وهم الذين سببوا استيراد كثير من أفكار الغرب وقيمه إلى العالم الإسلامي، وقد حازت قصب السبق في هذا المضمار تلك المعاهد الثقافية التي قامت بتربية جيل بأكمله على النمط الغربي الحديث، وكان مما صدره الغرب إلى العالم الإسلامي تلك الأفكار المتعددة الجديدة التي تقع في الأهمية بمكان، والاتجاهات العقلية الدقيقة الفجة (كذا) والميول الحديثة التي كان في نشرها أوفر نصيب لنمط التعليم الغربي الحديث، ويفوقها في ذلك تأثير معاهد الغرب الحقوقية والسياسية والاجتماعية الجديدة ونفوذها الزائد، ومنها ما يسلط إجباراً وما يحاول تسليطه، وبينما قام بعض المسلمين لمقاومة هذا التيار رحب به البعض الآخر، إن بعضهم قد وقع تحت تأثير هذه التربية رسمياً، وبعضهم قد رحب بهذا التيار