وبيروت وإسلامبول والقاهرة وغيرها، عدا المدارس الأقل شأناً التي انتشرت في الهند وبلاد الشام ومصر وبصفة أظهر في بلاد المغرب.
ومما لا شك فيه أن هذه المدارس كان لها أعظم الأثر في توجيه النهضة الفكرية وجهة لا دينية، وتوسيع الهوة بين التعليم الديني واللاديني، كما شجع الاستعمار واحتضن الحركات الفكرية والأدبية التي قام بها النصارى - لا سيما الشاميون - حيث كانت جمعياتهم وصحفهم في الشام ومصر من أشد أجنحة التغريب تأثيراً.
أما احتواء التعليم الأصلي والسيطرة عليه فأقوى الشواهد عليه المخطط البطيء الماكر، الذي وضعه كرومر ووزيره القسيس دنلوب في مصر، والذي استخدم أحدث ما وصلت إليه التربية وعلم النفس في عصره لإخراج جيل ممسوخ قابل للاستعباد.
فتح دنلوب مدارس حكومية ابتدائية تدرس العلوم المدنية وتعلم اللغة الإنجليزية لغة الاستعمار وتخرج موظفين كتبة، في الدواوين التي يحتلها ويديرها الإنجليز، يقبضون رواتب تعد بالجنيهات لا بالقروش.
ولم يكن الأمر في حاجة إلى مزيد من الإغراء، فمن ذا الذي يبعث بابنه بعد اليوم إلى الأزهر إلا الفقراء العاجزون عن دفع المصروفات، وهو يرى له المستقبل المضمون في وظيفة الحكومة حيث (يرطن) بلغة السادة المستعمرين؟!
وانصرف الناس القادرون - من ذوات أنفسهم - عن الأزهر، واتجهوا إلى مدارس الحكومة بعد الثورة الأولى التي أثارها الحس الباطني المسلم على هذه المدارس الكافرة التي لا تعلم القرآن ولا تعلم الدين، وأصبح هؤلاء المتعلمون طبقة جديدة تستمد طبقيتها من