التنويه به في عمله هذا ليس هو فكر الترجمة في ذاتها، بل الروح التجديدية التي تكمن وراءها (!) فقد ترجم لا فونتين إلى شعر سهل لا تصنع فيه ولا رهق، إلا أنه حين ترجم ملاهي موليير كتبها بلهجة العامة في مصر، ولم يكن الوقت قد حان بعد للإقدام على مثل هذا العمل الجريء (!) غير أن ما تجلى في تلك الخطوة من انفكاك تام من أسر الماضي كان دليلاً على روح العصر، قال الخديوي إسماعيل: إن مصر أصبحت قطعة من أوروبا ولذا كان لا بد للأدب المصري من أن يعبر عن استقلاله عن التقاليد الآسيوية والأفريقية [1].
كانت حركة التغريب الأولى فرنسية الاتجاه، فلما احتل الإنجليز مصر أصبحت الحركة إنجليزية، واتخذت طابعاً جديداً أعمق وأوسع، فقد كان الاستعمار الإنجليزي يهدف إلى ما ذكره اللورد ميكالي عن الهند:
يجب أن ننشئ جماعة تكون ترجماناً بيننا وبين ملايين من رعيتنا، وستكون هذه الجماعة هندية في اللون والدم، إنجليزية في الذوق والرأي واللغة والتفكير) [2].
فالاستعمار -كما قال أحد شعراء المسلمين في الهند - أذكى من فرعون الذي استخدم سياسة قتل الأولاد، ولم يفتح لهم مدارس وكليات تقتلهم من حيث لا يشعرون كما فعل المستعمرون [3].
فقد افتتحوا مدارس غربية قلباً وقالباً في المراكز الثقافية الكبرى للعالم الإسلامي، ورسموا المخططات لاستئصال التعليم الأصلي.
من هذه المدارس الكليات التبشيرية التي أنشئت في لاهور [1] دراسات في حضارة الإسلام: (320 - 321). [2] نحو التربية الإسلامية الحرة: الندوي: (32). [3] انظر روائع إقبال.