وقد صور محمد المويلحي في عمله الرائع حديث عيسى بن هشام شيئاً من ذلك على لسان أبطال الرواية، إذ يسأل أحدهم متعجباً: كيف ساغ للمصريين أن يأخذوا بقانون نابليون المخالف للشريعة؟ فيجيب الآخر بأن المفتي أقسم بالله أنه موافق للشريعة [1].
هذا وقد عاصر محمد عبده رجل آخر من دعاة الإصلاح أيضاً هو عبد الرحمن الكواكبي (ت1902) يحق لنا أن نقول: إنه أول من نادى بفكرة العلمانية حسب مفهومها الأوروبي الصريح فهو يقول:
يا قوم وأعني بكم الناطقين بالضاد من غير المسلمين أدعوكم إلى تناسي الإساءات والأحقاد، وما جناه الآباء والأجداد، فقد كفى ما فعل ذلك على أيدي المثيرين، وأجلكم من ألا تهتدوا لوسائل الاتحاد وأنتم المتنورون السابقون، فهذه أمم أوروبا وأميركا قد هداها العلم لطرائق الاتحاد الوطني دون الديني، والوفاق الجنسي دون المذهبي، والارتباط السياسي دون الإداري ...
دعونا ندبر حياتنا الدنيا، ونجعل الأديان تحكم الأخرى فقط (!) دعونا نجتمع على كلمات سواء، ألا وهي فلتحيى الأمة، فليحيى الوطن، فلنحيى طلقاء أعزاء [2].
واقتفى هذين عدد من الكتاب والصحفيين المشبوهين - من أدعياء الإسلام وغيرهم، يطالبون بضرورة فصل الدين عن السياسة وإبعاده عن واقع الحياة، وأن ذلك هو الحل الوحيد لمشاكل الشرق، وكان لسموم المستشرقين ودسائس المبشرين أعظم الأثر في ذلك.
وقد هوجمت الشريعة الإسلامية بكاملها، وتوالت حملات [1] انظر: (ج1) (ص:72 - 73). [2] طبائع الاستبداد: (112 - 113).