وعلى هذا فلا السبعون الكاذبة ولا إنجيله الصادق وحي من الله ولا أحدها هو منسوب إلى المسيح، بل الكل سير وقصص يكتبها أتباع المسيح عن حياته ودعوته كما سمعوها من أسلافهم الذين رأوا المسيح وخدموه، ولو استعرنا عبارة الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون لقلنا عن الأناجيل:
" هي مجموعة من الأوهام والذكريات غير المحققة التي بسطها خيال مؤلفيها [1].
إن أشبه الكتب الإسلامية بالأناجيل، من جهة موضوعها لا من جهة ثبوتها، هي كتب السيرة ... فهل يمكن بأي حال من الأحوال القول بأن سيرة ابن هشام مثلاً وحي منزل من الله؟ إن هذا لمحال شرعاً وعقلاً، فكيف وسيرة ابن هشام مقطوع بنسبتها إلى مؤلفها ومتصلة السند بصاحب السيرة صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومحفوظة بأصلها العربي، لم تتناولها الترجمات، كما هو الحال في الأناجيل، كما أنها لم تفرض بسلطة قانونية أو كهنوتية وإنما أقرها البحث والتدقيق، وكم من علماء مسلمين بلغوا ذروة العبادة والورع لا يعتد الباحثون المسلمون من رواياتهم بشيء؛ لأن شروط التحقيق العلمي لم تتوفر فيهم، أما الكنيسة فلا يكاد راهب ينقطع في صومعة أو عابد يتظاهر بحب المسيح حتى تقول: "إنه مملوء بالروح القدس" وتمنحه لقب "رسول " أو "قديس"، وتعد كلامه وحياً ملهماً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ولذلك فليس غريباً أن يكون لدى الكنيسة مائة وعشرون رسولاً [2] يؤخذ كلامهم -على علاته- قضايا مسلمةٌ وتقدس رسائلهم، كما تقدس الأناجيل.
تلك حصيلة المسيحية في قرونها الثلاثة الأولى: سبعون إنجيلاً [1] حياة الحقائق: (62). [2] انظر: أعمال الرسل من العهد الجديد صح: (1).