ثار الإيطاليون على الأخلاق المسيحية واستبدلوا بها مجرد التمتع بالملايين من أشكال الجمال، لكن الشعوب الشمالية وجدت في الحياة أكثر من الجمال، وقد مثل هذه الروح فيما كتب رابليه الكبير ...
وتتجسم روح ثورة النهضة في مقطع يطلب منا رابليه فيه أن نهرب من أولئك الرعاع ذوي العقول الزائفة الماكرين والقديسين المزورين الوقوري الهيئة المرائين مدعي الإيمان، الإخوان الخشنين الرهبان الذين يلبسون النعال ... اهرب من هؤلاء الرجال عليك بكراهيتهم واحتقارهم قدر ما أكرههم أنا، وإنني لأقسم لك أنك إن فعلت فستجد نفسك أفضل حالاً [1].
هكذا كان عصر النهضة ثورة على المسيحية التقليدية وإعلاناً للعودة إلى الوثنية، وهذه وإن كانت في الواقع عملية سلبية إلا أنها خطوة لا بد منها لكل حركة جديدة، فمن الطبيعي أن تنصب أنظار رواد النهضة إلى هدم كيان الواقع الذي خضعت له أوروبا ألف عام قبل أن يفكروا في ماهية الواقع الجديد.
ثانياً: العصر الحديث:
(أ) الرومانسية:
لسنا في حاجة إلى إعادة القول بأن: حياة أوروبا هي عبارة عن خط بياني متذبذب تحكمه ردود الفعل المتناقضة، فقد أصبح ذلك حقيقة مقررة بعد أن رأينا شواهده في كل مجال، وهنا في مجال الأدب نلمس تلك الحقيقة بوضوح:
فالغبطة الكلاسيكية لم تدم طويلاً، إذ سرعان ما جرت عليها سنة أوروبا في الارتداد، وإذا كان أعظم ايجابياتها هو الاهتمام [1] مقتطفات من: راندال (2/ 185 - 198).