يمثل أرقى ما بلغت إليه حركة النهضة الأوروبية بأجمعها، وهي في لبابها تتلخص في اكتشاف الجنس البشري لقيمته، وأهميته التي كانت قد ضاعت على مر العصور)) [1].
وجدير بالذكر أن دانتي في ملحمته قد أدخل البابوات كلهم قاع جهنم إلا باباً واحداً أدخله الجنة، ودلالة ذلك لا تخفى، (2)
3 - العودة إلى الإباحية الرومانية: رد فعل للرهبانية والتزمُّت المغالي اللذين كانا يسيطران على الحياة الاجتماعية الأوروبية في ظل الكنيسة قام رواد النهضة بتجديد شباب الكلاسيكية، وبعث المذهب الأبيقوري في التمتع بضروب الملذات والانغماس في الشهوات الجسدية، ومن هنا أهمل أولئك أو كادوا جانب الآلهة وأساطيرها وصراعها من التراث الكلاسيكي الإغريقي والروماني، وانصب اهتمامهم على الجانب الإباحي، فليس مرد ذلك إلى قوة إيمانهم بالعقيدة المسيحية بقدر ما كان الرغبة في إشباع نزواتهم المكبوتة وميولهم العاطفية قبل أي شيء آخر.
وهكذا كان عصر النهضة يتسم بطابع كلاسيكي خاص، يقدس الجسد ويعبد اللذة في وقت لا تزال الرهبانية فيه هي المثل الأعلى، ووجه زعماء ذلك العصر أنظار الناس إلى مثالب الرهبانية بحجة منافاتها للإنسانية، وهو الوصف الذي كانوا يتسترون به.
يقول مؤلف تكوين العقل الحديث: "الحقيقة أن هذا الاهتمام بالإنسانية عاش بصورة قوية واضحاً منذ العصور التي سبقت غزوة المسيحية للبرابرة، فالحياة التي صورها [1] كتب غيرت وجه العالم: مقتطفات: من (362 - 368).
(2) انظر تاريخ أوروبا في العصور الوسطى: فيشر: (2/ 277).