والهلع، مرده أننا نعيش في عالم لا ينفع فيه الإقناع تجاه أناس وثقوا وثوقاً أعمى بآلاتهم وبآرائهم.
وعبر بعضهم على ذلك قائلاً: "ألا ترون إلى النظام الصناعي الحاضر كيف جعل من سواد الكادحين سوائم تسير بفعل الغريزة العمياء بدلاً من أن تكون أناسي من آدم كرمها الله باستعمال الذكاء ... ناس كأنعام أصبحوا عبيداً للآلات!؟ " [1].
ويقول الفيلسوف جود: "إذا لم نكن على يقين في شأن من الشئون؛ فإن مذهب الاستمتاع بالحاضر واليقين بزوال الحياة بعده مذهب تتمسك به الأجيال المعاصرة أي تمسك، وهو يرسم لها طريقاً عملياً محدداً في العيش والحياة، ومهما يعني هذا الاتجاه للحكيم المجرب، فإنه يستتبع بالنسبة لشباب هذا العصر الاستخفاف بالنواحي والقيود التي كانت محور الأخلاق ومدارها والخلاص منها في القرن التاسع عشر، وكذلك فقدت النواهي الأخلاقية التقليدية قوتها المألوفة بعد أن زال سندها من سلطان مافوق الطبيعة، وقد كنا نسمع أننا ينبغي لنا عمل الخير لأن الخير يرضى عنه الله، والله تعالى يحب أن يرى عبده صالحاً علىخط من القناعة والاعتدال في حياته، ومادامت ممارسة الفضيلة مقصوداً منها كسب رضى الله، فإن المرء يحار هل الدافع إليها الظفر بنعيم الجنة أو إنه الرغبة في الخلاص من الجحيم المقيم، ولم يعد للطمع بثواب النعيم في الآخرة أو الوعيد بعقابها تلك القوة التي كانت لها قبلاً، فكثير من الناس يستخفون بذلك، وما داموا لا يطمعون [1] محاضرات الموسم الثقافي بالكويت: (3/ 32 - 35).