جعل هذه الحياة نفسها أيسر فأيسر أو كما يقول التعبير الدارج: طليقة من ظلم الطبيعة، إن هياكل هذه الديانة إنما هي المصانع العظيمة ودور السينما والمختبرات الكيماوية وباحات الرقص وأماكن توليد الكهرباء، وأمَّا كهنة هذه الديانة فهم الصيارفة والمهندسون وكواكب السينما وقادة الصناعات وأبطال الطيران، وإن النتيجة التي لا مفر منها في هذه الحال هي الكدح لبلوغ القوة والمسرة، وذلك بخلق جماعات متخاصمة مدججة بالسلاح ومصممة على أن يفني بعضها بعضاً حينما تتصادم مصالحها المتقابلة".
أما على الجانب الثقافي، فنتيجة ذلك خلق نوع بشري تنحصر فلسسفته الأخلاقية في مسائل الفائدة العملية، ويكون أسمى فارق لديه بين الخير والشر إنما هو التقدم المادي [1].
1 - في الغرب الرأسمالي:
إن كثيراً من المفكرين في الغرب قد راعهم التناحر المادي وسيطرة الآلة على الإنسان، وكان ذلك موضوع جزع شديد عند بعض الأكابر من رجال الفكر، فجورج برنانوس مثلاً يرى في طغيان ذلك العملاق الميكانيكي الرهيب مؤامرة كونية كبرى على كل حياة داخلية، ثم هذا جول رومان يهوله التباين الشاسع بين ارتفاع منحنى التكنيك، وانخفاض منحنى المؤسسات الاجتماعية مع بقاء الطبيعة البشرية دون هذا وذاك ثابتة على خط بياني واحد، فيبقى واجماً مكفهر الوجه، منقبض النفس أمام معضلة المنحنيات الثلاثة، وآلبر كامو يتحيف به اليأس عندما يدرك ما استولى علينا من كابوس الخوف [1] الإسلام على مفترق طرق: (47 - 48).