اسم الکتاب : موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - الدرر السنية المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 479
المطلب الخامس: الرد على استدلال المبتدعة بقول إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: هَذَا رَبِّي [الأنعام: 76] على شرعية دليل الأعراض وحدوث الأجسام:
الخليل عليه السلام لم يرد من قوله عن الكوكب، والقمر، والشمس: هَذَا رَبِّي: أن هذا هو الذي خلق السموات والأرض، وأنه رب العالمين.
ومن تدبر قصته عليه السلام علم أنها تدل على نقيض مذهب المبتدعة ..
- فهذه القصة التي جرت بين إبراهيم عليه السلام وقومه: إنما هي في إثبات انفراد الله تعالى بالألوهية، لا في إثبات أنه جل وعلا الصانع، وخالق هذا الكون ..
فمن غير المعقول أن يعتقد إبراهيم عليه السلام أن الكوكب أو القمر هو خالق السموات والأرض، أو أن الشمس هي الخالقة لأنها أكبر – كما افترى المبتدعة عليه.
هذا لا يعتقده عاقل ..
ولم يكن قصد الخليل عليه السلام من قوله: هَذَا رَبِّي: أن هذا الذي أشار إليه؛ من كوكب، أو شمس، أو قمر: أنه رب العالمين، وأنه الصانع لهذا الكون؟! حاشاه من قول ذلك – عليه السلام – بل هو أجل من أن يقول لمثل هذه الكواكب: إنه رب العالمين [1].
فلم يكن بصدد إثبات الصانع، بل كان مناظراً لقومه، مستدلاً عليهم، مبيناً فساد معتقدهم في ألوهية الكواكب، وإشراكها مع الله في العبادة .. فكان عليه السلام – إذا – بصدد الاستدلال على نفي الشريك، وإبطال عبادة ما سوى الله تعالى؛ لأن قومه كانوا مقرين بالصانع، ولكنهم كانوا يشركون في عبادته غيره [2].يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فالقوم لم يكونوا جاحدين لرب العالمين، ولا كان قوله – عليه السلام – هَذَا رَبِّي: هذا هو الذي خلق السموات والأرض؛ على أي وجه قاله؛ سواء قاله إلزاماً لقومه، أو تقديراً، أو غير ذلك. ولا قال أحد قط من الآدميين إن كوكباً من الكواكب، أو إن الشمس والقمر أبدعت السموات كلها. ولا يقول هذا عاقل. بل عباد الشمس والقمر والكواكب يعبدونها كما يعبد عباد الأصنام الأصنام؛ كما يعبد عباد الأنبياء والصالحين لهم ولتماثيلهم، وكما يعبدون آخرون للملائكة، وآخرون يعبدون الجن لما يرجون بعبادتها من جلب منفعة، أو دفع مضرة لا لاعتقادهم أنها خلقت العالم" [3].فالمقصود أن قوم إبراهيم عليه السلام كانوا يقرون بربوبية رب العالمين، ويثبتونه جل وعلا؛ فأي حاجة دعت الخليل عليه السلام إلى إقامة الحجة على قومه لإثبات ما هو ثابت مستقر عندهم [4].وإنما كان قوم إبراهيم – كما مر – يشركون بعبادة هذه الكواكب والأصنام؛ لما يرجون بعبادتها من جلب نفع، أو دفع ضر [5].
ودليل إقرار قوم إبراهيم عليه السلام بربوبية رب العالمين، وأنه الصانع، الخالق للسموات والأرض جل وعلا: موجود في آيات قرآنية، منها: [1] انظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (1/ 315). [2] انظر ((شرح حديث النزول)) لابن تيمية (ص: 167). [3] ((الرد على المنطقيين)) لابن تيمية (ص: 305، 306) وانظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) له (1/ 311 – 313، 2/ 216)، و ((بغية المرتاد)) له (ص: 360). و ((منهاج السنة النبوية)) له (2/ 294). و ((رسالة في الصفات الاختيارية له – ضمن جامع الرسائل)) (2/ 51، 52، 53). [4] انظر: ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) لابن حزم 4/ 17. و ((مجموع فتاوى)) ابن تيمية (5/ 548 – 550، 6/ 548، 549). [5] انظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (4/ 77، 8/ 356). و ((شرح حديث النزول)) له (ص: 166).
اسم الکتاب : موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - الدرر السنية المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 479