اسم الکتاب : موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - الدرر السنية المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 408
قيل له: ورحمته ليست من جنس رحمة خلقه، وكذلك محبته.
وإن قال – وهو حقيقة قوله -: لم أثبت الإرادة وغيرها بالسمع، وإنما أثبت العلم والقدرة والإرادة بالعقل، وكذلك السمع والبصر والكلام – على أحد الطريقتين-؛ لأن العقل دل على القدرة، والإحكام دل على العلم، والتخصيص دل على الإرادة.
قيل له: الجواب من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الإنعام، والإحسان، وكشف الضر، دل أيضا على الرحمة، كدلالة التخصيص على الإرادة. والتقريب والإدناء وأنواع التخصيص التي لا تكون إلا من المحب، تدل على المحبة، ومطلق التخصيص يدل على الإرادة، وأما التخصيص بالإنعام فتخصيص خاص، والتخصيص بالتقريب والاصطفاء تقريب خاص. وما سلكه في مسلك الإرادة يسلك في مثل هذا. الثاني: يقال له: هب أن العقل لا يدل على هذا، فإنه لا ينفيه إلا بمثل ما ينفي به الإرادة. والسمع دليل مستقل بنفسه، بل الطمأنينة إليه في هذه المضايق أعظم، ودلالته أتم. فلأي شيء نفيت مدلوله، أو توقفت، وأعدت هذه الصفات كلها إلى الإرادة، مع أن النصوص لم تفرق؟ فلا يذكر حجة إلا عورض بمثلها في إثباتها الإرادة زيادة على الفعل" [1].
ثم ذكر شيخ الإسلام نموذجا لما يمكن أن يكون من مناقشة بين الأشعري والجهمي المعتزلي الذي ينكر صفة الإرادة فقال."الثالث: يقال له (أي للأشعري) إذا قال الجهمي (والمعتزلي): الإرادة لا معنى لها إلا عدم الإكراه، أو نفس الفعل والأمر به، وزعم أن إثبات إرادة تقتضي محذورا – إن قال بقدمها، ومحذورا إن قال بحدوثها [2] .... كان جوابه (أي جواب الأشعري للمعتزلي الجهمي): أن ما ادعى إحالته من ثبوت الصفات ليس بمحال، والنص قد دل عليها، والعقل أيضا. فإذا أخذ الخصم (أي المعتزلي) ينازع في دلالة النص أو العقل جعله مسفسطا أو مقرمطا (أي حكم الأشعري على المعتزلي بذلك). (فيقول أهل السنة للأشعري:) وهذا بعينه موجود في الرحمة، والمحبة، ... " [3].
وقد أكمل شيخ الإسلام المناقشة لبيان بطلان مذهب المعتزلة والجهمية وغيرهم، ثم ذكر كلاما مجملا مهما، فقال:
"ونكتة هذا الكلام: أن غالب من نفي وأثبت شيئا مما دل عليه الكتاب والسنة، لابد أن يثبت الشيء لقيام المتقضي وانتفاء المانع، وينفي الشيء لوجود المانع، أو لعدم المقتضى، أو يتوقف إذا لم يكن له عنده مقتض ولا مانع:
فيبين له أن المقتضى فيما نفاه قائم، كما أنه فيما أثبته قائم، إما من كل وجه، أو من وجه يجب به الإثبات، فإن كان المقتضى هناك حقا فكذلك هنا، وإلا قدره ذاك المقتضى من جنس درء هذا.
وأما المانع فيبين أن المانع الذي تخيله فيما نفاه من جنس المانع الذي تخيله فيما أثبته؛ فإذا كان ذلك المانع المستحيل موجودا على التقديرين لم ينج من محذوره بإثبات أحدهما ونفي الآخر، فإنه إن كان حقا نفاهما، وإن كان باطلا لم ينف واحدا منهما، فعليه أن يسوي بين الأمرين في الإثبات والنفي، ولا سبيل إلى النفي فتعين الإثبات. فهذه نكتة الإلزام لمن أثبت شيئا وما من أحد إلا ولابد أن يثبت شيئا، أو يجب عليه إثباته" [4].
ثم ضرب شيخ الإسلام مثالا في الرد على متأخري الأشعرية – سبق نقله عند الكلام على شبهة التركيب -. [1] ((الإكليل في المتشابه والتأويل – مجموع الفتاوى)) (13/ 298 - 300). [2] أي المعتزلي، لأن القول بقدم الصفة – كالإرادة – يلزم منه تعدد القدماء، والقول بحدوثها يلزم منه حلول الحوادث، وكلاهما ممتنع عندهم، انظر ((الإكليل – مجموع الفتاوى)) (13/ 300). [3] ((الإكليل في المتشابه والتأويل – مجموع الفتاوى –)) (13/ 300 - 301). [4] ((الإكليل في المتشابه والتأويل – مجموع الفتاوى –)) (13/ 302).
اسم الکتاب : موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - الدرر السنية المؤلف : مجموعة من المؤلفين الجزء : 1 صفحة : 408