وخلاصة كلام السيوطي:
أن هناك سببين لتعدُّد الروايات:
أحدهما: أن يكون الشاعر المنسوب إليه هذا البيت أو ذاك، هو الذي غيَّر في شعره وبدَّل بأن ذكر البيت أولًا برواية، وذكره مرةً أخرى برواية ثانية، ولا يضيره ذلك؛ لأن الشاعر بفصاحته يتلاعب بمقولاته، فينشدها كيف أراد، وهذا هو السبب الذي تَبادر إلى ذهن السيوطي حين سُئل عن ذلك، وهو أيضًا السبب الذي ذكره ابن هشام احتمالًا.
والآخر: أن يكون التغيير من صنع الرواة لا من صنع الشعراء؛ لأن العرب كان يُنشد بعضُهم بعضًا، فتعدَّدت الروايات بتعدُّد الرواة؛ لأن كل الرواة كانوا من الفصحاء، ولا تقدح رواية في رواية، أي: لا ترد الرواية الرواية الأخرى.
ونلحظ في كلام السيوطي:
أنه يميل إلى ما ذكره ابن هشام، وهو أن التغيير من صنع الرواة لا من صنع الشعراء، وهذا هو السبب الأقرب إلى القَبول لقول ابن ولَّاد في ردِّه على المبرد: "الرواة قد تغير البيتَ على لغتها، وترويه على مذاهبها مما يوافق لغة الشاعر ويخالفها، ولذلك كثرت الروايات في البيت الواحد". فحصل ابن ولَّاد السبب في أمر واحد، وهو تصرف الرواة.
وهناك سبب ثالث لم يذكره السيوطي أدَّى إلى تعدُّد الروايات في البيت الواحد، وهو أن يكون هذا التعدد لا من صنع الشعراء ولا من صنع الرواة، وإنما من صنع المشتغلين بدراسة البيت من النحويين وغيرهم، وقد عُرف المبرد بتغيير الروايات حتى قال عنه علي بن حمزة البصري: "واستشهاره بتغيير الروايات يغنينا عن التماس الحجج عليه". انتهى.