فقد استشهد النحاة بهذا البيت على أن "مَنْ" اسم موصول استُعمل لغير العاقل، وهو الطلل، وفي البيت رواية أخرى وهي: "وهل ينعمن"، ولا أثر لهذا الاختلاف على الشاهد، فالشاهد ما زال كما هو. ونظير ذلك قول الشاعر:
عدس ما لي عباد عليك إمارة ... نجوتُ وهذا تحملين طليق
فقد استشهد بعض النحاة بهذا البيت على أن اسم الإشارة هذا يُستعمل اسمًا موصولًا -كما سبق- ورُوي أول عجز هذا البيت بلفظه: نجوت، كما روي بلفظ: أمنت، ولا أثرَ لهذا الاختلاف بين الروايتين في موضع الشاهد الذي من أجله سِيقَ هذا البيت في كُتب النحاة.
وقد يكون الاختلاف بين روايتي البيت مؤثرًا في إثبات القاعدة، أو في تأييد مذهب نحوي وردِّ مذهب آخر -كما سيجيء بيانه-.
ويعنينا الآن أن نقف على أسباب التعدد في رواية الأبيات؛ إذ ذكر السيوطي أن لهذا التغيير سببين -عندما سُئل عن ذلك قديمًا- فأجاب: "باحتمال أن يكون الشاعر أنشد مرة هكذا، ومرة هكذا"، ثم رأى السيوطي ابن هشام ذكر في كتابه المسمى (تخليص الشواهد)، الذي شرح فيه شواهد شرح (الألفية) أن عَجُزَ قوله:
فلا مزنة وَدَقَتْ ودقها ... ولا أرض أَبْقَلَ إبقالها
روي بالتذكير يعني: بتذكير الفعل أبقل، ورُوي أيضًا بالتأنيث مع نقل حركة همزة إبقالها إلى تاء التأنيث وإسقاط الهمزة أي: برواية: ولا أرض أبقلت إبقالها. وذكر ابن هشام أنه إن صح أن القائل بالتأنيث هو القائل بالتذكير؛ صح الاستشهاد به على الجواز من غير الضرورة، وإلا فقد كانت العرب يُنشد بعضُهم شعرَ بعضٍ، وكلٌّ يتكلم على مقتضى سجيته التي فُطر عليها، ومن هنا تكثَّرت الرواية في بعض الأبيات. انتهى.