اسم الکتاب : شرح المفصل المؤلف : ابن يعيش الجزء : 1 صفحة : 56
وقوله: "فيَطْمِسُوا من تفسير القرآن آثارَهما، ويَنْفُضوا من أصول الفِقه غُبارهما": يقال: "طَمَسَ الطريقُ": انمحى ودرس، و"طمستُه": يُستعمل متعدّيًا، وغير متعدٍّ؛ "يَطْمِسُ ويَطْمُسُ" بالكسر والضمّ، والكسرُ في المتعدّي، والضمُّ في اللازم هو القياس، إلّا أن اللغات تداخلت؛ يريد أنّه لا بُدّ في التفسير من استعمال العربيّة، والاستضاءة بدلالة ألفاظها إذ كان مُنْزلًا باللسان العربيّ، فلا بُدّ من معرفة ألفاظ العرب، والاطّلاع على مواضعها؛ إذ الألفاظ أدلّةُ المعاني، فكذلك أصولُ الفقه مرتبطةٌ بمعرفة العربيّة، لأنّه يُبتنى على معرفة الكتاب والسُنّةِ، ولا يُعْرَف معناهما إلا بمعرفة العربيّة، ولذلك كانت شرطًا في صحّة الاجتهاد.
...
قال: "ولا يتكلّموا في الاستثناء، فإنّه نحوٌ؛ وفي الفرق بين المعرَّف والمنكَّر، فإنّه نحوٌ؛ وفي التعريفَين، تعريف الجِنْس، وتعريف العَهْد، فإنهما نحوٌ؛ وفي الحروف كالواو والفاءِ و"ثمَّ" و"لامِ" المِلْك و"مِن" التبعيض ونظائرها": يُشير بذلك إلى شدّة فاقة الفقيه إلى معرفة العربيّة، ألا ترى أنّ الرجل إذا أقرّ فقال: "لفلانٍ عندي مئةٌ غيرُ درهم"، برفع "غير" يكون مُقِرًّا بالمئة كاملة, لأنّ "غَيْرُ" هنا صفة للمئة، وصفتُها لا تَنْقُص شَيئًا منها، وكذلك لو قال: "له علىَّ مئةٌ إلَّا درهمٌ"، كان مقرًّا بالمئة كاملةً لأنّ "إلّا" تكون وصفًا كـ"غير"، قال الله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [1]، ولو قال: "له عندي مئةٌ غيرَ درهم، أو إلا درهمًا"، بالنصب، لكان مقرًّا بتسعةٍ وتسعين درهمًا, لأنه استثناءٌ، والاستثناءُ: إخراجُ ما بعد حرف الاستثناء من أن يتناوله الأوَّلُ؛ وكذلك لو قال: "ما له عليَّ مئةٌ إلّا درهَمْين"، لم يلزمه شيء، كما لو قال: "ما له عليَّ ثمانية وتسعون درهمًا"؛ ولو رفع فقال: "ما له عندي مئةٌ إلَّا درهمان"، لكان مقرًّا بدرهمَيْن. والمسائلُ في ذلك كثيرة؛ ومن ذلك لو قال: "إن دَخَلْتِ الدارَ فأنتِ طالقٌ"، فإنّه لا يقع الطلاقُ إلّا بدخول تلك الدارِ المعيَّنة؛ ولو قال: "إن دخلتِ دارًا فأنتِ طالقٌ، وقع الطلاقُ بدخولِ أيّ دارٍ دخلتها؛ لأنّه علَّقَ الطلاق بدخول دارٍ منكورةٍ، ولشياعها تعمُّ؛ وفي الأوّل علّق الطلاق بدخول دارٍ معهودةٍ، فلا يقع الطلاقُ إلّا بدخولها.
وأمّا الفرق بين لام العهد ولام الجنس فمن جهة المعنى، وأمّا اللفظُ فشيءٌ واحدٌ؛ وذلك أنّك إذا قلت: "الرجلُ"، وأردتَ العَهْدَ، فإنّه يخصّ واحدًا بعينه؛ ومعنى العهد أن تكون مع إنسانٍ في حديث ثالثٍ غائبٍ، ثم يُقْبِل الرجلُ فتقول: "وافَى الرجلُ"، أي الذي كنّا في حديثه وذِكْره قد وافى؛ وإن أردتَ تعريفَ الجنس، فإنّه يدّل على العُموم والكثرة، ولا يكون مُخْبِرًا عن إحاطةٍ بجميع الجنس, لأنّ ذلك متعذِّرٌ غيرُ مُمْكِنٍ، فإذا قلت: [1] الأنبباء: 22.
اسم الکتاب : شرح المفصل المؤلف : ابن يعيش الجزء : 1 صفحة : 56