اسم الکتاب : شرح المفصل المؤلف : ابن يعيش الجزء : 1 صفحة : 287
وذلك أنَّه لمّا قال: "له عليّ ألف درهم"، فقد أقَرَّ واعترف، فإذا قال: "عُرْفًا" بمعنَى: "اعتراف"، فلم يزد بذكره عمّا تقدّم من الكلام، فكان تأكيدًا، نحوَ: "ضربتُ ضَرْبًا". والفرق بين هذا والذي قبله حتّى جُعل هذا تأكيدًا لغيره، وجُعل هذا تأكيدًا لنفسه، أنّك إذا قلت: "هذا عبدُ الله حقًّا" فقولُك من قَبْلِ أن تذكر "حقًّا" يجوز أن يُظَنّ أنّ ما قلتَه حقٌّ، وأن يظُن أن ما قلتَه باطلٌ، فتأتي بـ"حَقَّا"، فتجعل الجملةَ مقصورة على أحد الوجهَيْن الجائزَيْن عند السامع. وقولُه: "له عليّ ألفُ درهم" هو اعترافٌ حقًّا كان، أو باطلًا، فصار هذا توكيدًا لنفسه إذ كان الذي ظهر هو الاعترافَ.
وأمّا قوله في البيت: "قَسَمًا"، فهو مصدرٌ مؤكّدٌ، وذلك أن قوله: "وإنّني إليك مع الصدود لأمْيَلُ" يُفْهَم منه القَسَمُ؛ فإذا قال: "قسمًا"، كان تأكيدًا لنفسه.
وأمّا قوله تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ} [1]، فهو مصدرٌ من هذا القبيل، وذلك أن قبله {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [2] فـ "صُنْعَ الله" منصوبٌ على المصدر المؤكّد لأنّ ما قبله صُنْعُ الله في الحقيقة.
وكذلك {وَعْدَ اللَّهِ} [3] لأن قبله: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ [4] بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [5] وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} [4] نصب "وعدَ الله" لأنّ ما قبله وعدٌ من الله، فكان تأكيدًا لذلك.
وأمّا قوله: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [5] فقد اختلف النحويون فيه [6]، وذهب أصحابُنا والفرّاءُ من الكوفيين إلى أنّه نصب على المصدر المؤكّد، وذلك أنّه لمّا تقدّم من قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ} [7] إلى قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [8]. فقولُه: "كتابَ الله عليكم" بمنزلةِ "فَرْضَ الله عليكم"، و"تحريمَ الله عليكم"؛ لأنّ الابتداء تحريمُ المذكورات من النساء إلَّا مَن سُبي وأُخرج من دارِ الحرب، فإنّها تَحِلُّ لمَن ملكها، وإن كان لها زَوْجٌ لأنّه تقع الفرقةُ بينها وبين زوجها، فهذه شريعةٌ شَرَعَها اللهُ، وكتابٌ كَتَبَه عليكم، فانتصب المصدرُ بما دلّ عليه سِياقُ الآية، كأنّه فعلٌ تقديُره: كَتَبَ اللهُ عليكم، فأُضيف المصدرِ إلى الفاعل. وقال الكسائيّ: "كتابَ الله" منصوبٌ بـ"عَلَيْكُمْ" على الإغراء، كأنّه قال: [1] النمل: 88. [2] النمل: 88. [3] الروم: 4. [4] الروم: 4 - 6. [5] النساء: 24. [6] انظر: الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين، ص 228، 235. [7] النساء: 23. [8] النساء: 24.
اسم الکتاب : شرح المفصل المؤلف : ابن يعيش الجزء : 1 صفحة : 287