اسم الکتاب : شرح المفصل المؤلف : ابن يعيش الجزء : 1 صفحة : 237
الاستفهام لا يمنع من ذلك، إذ المعنى على التَّعْيين والتحقيق، لا على الاستفهام، وإنّما الهمزةُ هاهنا مستعارةٌ للتسوِية، وليس المرادُ منها الاستفهام، وإنّما جاز استعارتُها للتسوية، لاشتراكهما في معنى التسوية، ألا ترى أنّك تقول في الاستفهام: "أزيدٌ عندك أم عمرٌو؟ "و "أزيدٌ أفضلُ أم خالدٌ؟ " والشيئان اللذان يُسْأل عنهما قد استوى عِلْمُك فيهما، ثمّ تقول في التسوية: "ما أُبالي أَفَعَل أم لم يفعلْ". فأنتَ غيرُ مستفهم، وإن كان اللفظ الاستفهام، وذلك لمشاركته الاستفهام في التسوية لأنّ "معنى ما أُبالِي أفعل أم لم يفعل" أي: هما مستوِيان في عِلْمي، كما قال في الاستفهام كذلك. هذا هو التحقيقُ من جهة المعنى؛ وأمّا إعرابُ اللفظ، فقالوا: "سواءٌ" مبتدأ، والفعلان بعده كالخبر؛ لأنّ بهما تَمامَ الكلام وحُصولَ الفائدة، فكأنّهم أرادوا إصلاحَ اللفظ وتَوْفِيَتَهُ حَقَّهُ.
* * *
وقوله: "وقد التُزم تقديمه فيما وقع فيه المبتدأ نكرة والخبرُ ظرفًا، وذلك قولك: "في الدار رجلٌ" قد تقدّم في الفصل قبله لِمَ ابتُدىء بالنكرة هنا, ولِمَ التُزم تقديمه بما أغنى عن إعادته.
* * *
قال صاحب الكتاب: "وأما سلامٌ عليك وويل لك, وما أشبههما من الأدعية فمتروكةٌ على حالها إذا كانت منصوبة منزَّلةً منزلة الفعل, وفي قولهم: أين زيد, وكيف عمرو ومتى القتال.
* * *
قال الشارح: لمّا تقدّم من كلامه أنّه قد التُزم تقديمُ الخبر إذا وقع المبتدأ نكرةً، والخبر ظرفًا، أورد على نفسه إشكالًا، وهو قولهم: "سلامٌ عليك"، و"وَيْلٌ له"، فإن المبتدأ نكرةٌ، والخبرُ جارٌ ومجرورٌ، ولم يتقدّم على المبتدأ، ثم أجاب بأن المبتدأ في قولك: "لك مالٌ"، و"تَحْتَك بِساطٌ" إنّما التُزم تقديمُ الخبر هناك خوفًا من التباسِ الخبر بالصفة، وهاهنا لا يُلْبَس، لأنه دعاءٌ، ومعناه ظاهرٌ. ألا ترى إنّك إذا قلت: "سلامٌ عليك" و"ويلٌ له" بالرفع، كان معناه كمعناه منصوبًا، وإذا كان منصوبًا، كان منزلًا منزلة الفعل، فقولُك: "سلامًا عليك"، و"ويلًا لك" بمنزلةِ: "سَلَّمَ الله عليك"، و"عَذَّبَكَ الله"، فلمّا كان المعنى فيه ينزع إلى معنى الفعل، لم يُغيرَّ عن حاله، لأنّ مرتبة الفعل أن يكون مقدَّمًا.
وأمّا قوله: "وفي قولهم: "أَيْنَ زيدٌ"، و"كَيْفَ عمرٌو"، و"متى القتالُ"، فيريد أنّه قد التُزم هاهنا تقديم الخبر أيضًا، وإنّما قُدّم الخبر في هذه المواضع لتضمُّنه همزة الاستفهام، وذلك أنك إذا قلت: "أَيْنَ زيدٌ"، فأصله: أزيدٌ عندك، فحذفوا الظرفَ، وأتوا بـ "أيْنَ" مشتمِلةً على الأمكنة كلَّها، وضمّنوها معنى همزة الاستفهام، فقدّموها لتضمُّنها الاستفهام، لا لكونها خبرًا. وكذلك إذا قلت: "كَيْفَ زيدٌ" معناه: على أيِّ حالٍ زيدٌ.
اسم الکتاب : شرح المفصل المؤلف : ابن يعيش الجزء : 1 صفحة : 237