جاءت لتمتحن صبره وتبتليه، فيتبين حينئذ: هل يصلح لاستخدامه وجعله من أوليائه وحزبه أم لا؟ وفضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
الأمر العاشر: أن يعلم أن الله يربي عبده على السراء والضراء، والنعمة والبلاء، فيستخرج منه عبوديته في جميع الأحوال [1]. الأمر الحادي عشر: معرفة طبيعة الحياة الدنيا على حقيقتها؛ فهي ليست جنة نعيم ولا دار مقام إنما ممر ابتلاء وتكليف؛ لذلك فالكيِّس الفطن لا يفجأ بكوارثها، ولله دَرُّ القائل:
إن لله عباداً فطنا ... طلَّقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا ... أنها ليست لحيٍّ وطنا
جعلوها لجةً واتخذوا ... صالح الأعمال فيها سفنا
فالحياة الدنيا لا تستقيم على حال ولا يقر لها قرار، فيوم لك ويوم آخر عليك، قال الله تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ الله الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَالله لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [2].
وقد أحسن أبو البقاء الرندي القائل:
لكل شيء إذا ما تم نقصانُ ... فلا يغر بطيب العيش إنسانُ [1] طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن القيم، ص448 - 459، وانظر: زاد المعاد، 4/ 188 - 196، وعدة الصابرين لابن القيم، ص76 - 86. [2] سورة آل عمران، الآية: 140.