اسم الکتاب : إحكام النظر في أحكام النظر بحاسة البصر المؤلف : ابن القطان الفاسي الجزء : 1 صفحة : 93
فإن قيل: نرى هذا الحديث فيه الأمر بغضِّ البصر لا مبعضًا بـ "من"، أَمَا يكون هذا دليلًا على خلاف ما ارتضيتُ، من كون "من" للتبعيض في قوله: {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}؟ إذ لا يكون في هذا الحديث أراد غضوا من أبصاركم وأتى به دون "من"، اعتمادًا على بيان الآية، فإن هذا إن توهَّمه متوهِّم باطل، لأنه عكس المرتبة، فإن كلام النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يجيء مبيِّنًا لكلام الله تعالى، أما كلام الله تعالى، فلا يحتمل أن يجيء مبيِّنًا لكلام النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بحيث يُجمل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - معتمدًا على بيان القرآن لمجمل كلامه.
وإذا وجب أن يكون كلام النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث غير معتمد على بيان الآية؛ وجب أن يكون (مقتضاها) [1]، فتكون "من" المذكورة في الآية زائدة، بدليل إسقاط النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إياها قي مخاطبة أُمَّته.
فالجوأب عن هذا أن نقول: بل هي غير زائدة، بل مبغِّضة كما قلناه.
فأما الحديث (فإنه) [2] مخاطبهّ لمواجهين قد علم من أحوالهم -والله أعلم- ما لم ينقل إلينا, ممَّا لم يصحَّ معه إيجاد "من"، وذلك مثل أن يكون الجلّاس في غالب الأحوال لا تصدر منهم نظرة الفجأة، فإن المفاجأة أكثر ما تكون من المارّ الآخد في شأنه لا من الممرور به (الممعن) [3] المثبت بصره في المارَّة بطريق.
وكذلك أيضًا قد لا يعرف الممرور به، أن المرأة المارَّة به، ذات رحم، أو ذات محرم، إلا بعد تثبت لسترها؛ فهو إذا قيل: التبين والتحقيق مأمور [به] [4] بغضِّ البصو مطلقًا، (فالجواب) [5]: أن يقال للجلّاس على الطريق: [1] كذا في الأصل، ولعل فيه تصحيف أو إسقاط كلمة؛ يحتمل أن يكون: "مقتضاها التوكيد". [2] في الأصل: "فإنها"، والصواب ما أثبت. [3] رسمت في الأصل هكذا: "المنعن"، ولعلها: "الممعن". [4] ساقطة من الأصل، والظاهر إثباتها. [5] في الأصل: "فالجوا"، ولعل الصواب ما أثبته.
اسم الکتاب : إحكام النظر في أحكام النظر بحاسة البصر المؤلف : ابن القطان الفاسي الجزء : 1 صفحة : 93