اسم الکتاب : الجامع لأحكام الصلاة المؤلف : عادل بن سعد الجزء : 1 صفحة : 79
ولقد امتثل السلف الصالح مدلول هذه النصوص، وثبت من أقوالهم وأفعالهم ما يدل على ذلك.
فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: لقد رأيت أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبتدرون السواري عند المغرب حتى يخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وفي رواية: وهم كذلك يصلون الركعتين قبل المغرب [1].
وعن قرّة بن إياس قال: رآني عمر وأنا أصلي بين أسطوانتين -أي: عمودين- فأخذ بقفائي فأدناني إلى سترة، فقال: صل إليها [2].
قال الحافظ ابن حجر: (أراد عمر بذلك أن تكون صلاته على سترة) [3].
وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: (أربع من الجفاء: أن يصلي الرجل إلى غير سترة، وأن يسمح جبهته قبل أن ينصرف، أو يبول قائمًا، أو يسمع المنادي ثم لا يجيبه) [4].
والحكمة من الأمر باتخاذ السترة دفع الضرر عن الصلاة الذي سببه مرور الشيطان أمام المصلي، وهذا ما يفهم من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث سهل المتقدم: "فليصل إلى سترة، وليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته" [5]. قال السندي: (هذه جملة مستأنفة بمنزلة التعليل، أي: لئلا يقطع الشيطان عليه صلاته) [6].
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إذ كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدًا يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله؛ فإن معه القرين" [7].
والشيطان يطلق حقيقة على الجن، ويطلق على الإنس أيضًا. قال العيني: (وقد يكون أراد بالشيطان المار بين يديه: نفسه، وذلك أن الشيطان هو المارد الخبيث من الجن والإنس) [8].
وقال بعض العلماء: الحكمة في السترة كفّ البصر عما وراءها، ومنع من يجتاز بقربه، وهذا أمر محسوس؛ فإن من يصلي إلى سترة أجمع لقلبه وأقرب لخشوعه وأغض لبصره، لا سيما إذا كانت سترة شاخصة كجدار أو سارية؛ والله المستعان.
وتحصل السترة بكل ما يجعله المصلي تجاه القبلة كالسارية، والجدار ولو قصيرًا، والراحلة، والسيارة، والشجرة، والسرير، واللبنة، والمخدة، والعصا والحجر، وغير ذلك [9].
وأجاز بعض العلماء فرش السجادة واعتبار نهايتها سترة له. قال في سبل السلام: (وقاس الشافعية على ذلك -أي وضع الخط- بسط المصلي لنحو سجادة، بجامع إشعار المار أنه في الصلاة، وهو صحيح) [10].
ولا تحديد لعرض السترة؛ فإن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلى إلى العنزة (وهي عصا في أسفلها حديدة)، وصلى [1] أخرجه البخاري (1/ 577)، (2/ 106). [2] رواه البخاري تعليقًا (1/ 577)، بصيغة الجزم، ووصله ابن أبي شيبة (2/ 370)، وهو أثر حسن. [3] فتح الباري (1/ 577). [4] أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 61)، وسنده حسن. [5] انظر: إتحاف الأخوة بأحكام الصلاة إلى السترة (ص 128). [6] حاشية السندي على سنن النسائي (2/ 62). [7] أخرجه مسلم (4/ 470). [8] عمدة القاري (4/ 122). [9] شرح النووي على مسلم (4/ 463). [10] المجموع (3/ 248)، سبل السلام (1/ 284).
اسم الکتاب : الجامع لأحكام الصلاة المؤلف : عادل بن سعد الجزء : 1 صفحة : 79