اسم الکتاب : الجامع لأحكام الصلاة المؤلف : عادل بن سعد الجزء : 1 صفحة : 114
ووجه الدلالة على المنع: أن الجماعة الثانية لو كانت مشروعة بلا كراهة لصلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسجد، ولما اختار بيته على جماعة المسجد.
والجواب عن ذلك من وجهين:
الأول: أن أحاديث فضل صلاة الجماعة أكثر وأقوى سندًا من هذا الحديث، فإنه مختلف في صحته، وللعلماء فيه كلام. وقد ذكره الهيثمي ثم قال: (رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات).
وهذا لا يعني صحة الحديث، ولا أنه حسن، على أن في سنده أبا مطيع معاوية بن يحيى، وهو متكلم فيه، بل إن الحافظ الذهبي في الميزان لما ترجمه ذكر له أحاديث مناكير، ومنها هذا [1].
الثاني: على فرض صحة الحديث فليس فيه دلالة على المنع، وذلك من ثلاثة أوجه:
الأول: أن الحديث ليس بنص على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمع أهله فصلى بهم في المنزل، بل يحتمل أن يكون صلى بهم في المسجد، ويكون ميله إلى منزله لجمع أهله لا للصلاة فيه.
الثاني: سلمنا أنه صلى بهم في المنزل، فلا يثبت منه كراهة جماعة ثانية في المسجد، بل غاية ما يفيد أنه لو جاء رجل إلى مسجد قد صلي فيه فله أن لا يصلي فيه، بل يذهب إلى بيته ويصلي بأهله، وأما أنه لا يجوز له أن يصلي في ذلك المسجد بالجماعة، أو يكره له ذلك فلا دلالة للحديث عليه.
الثالث: لو ثبت من هذا الحديث كراهة تكرار الجماعة؛ لأجل أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يصل في المسجد، فلآخر أن يستدل به على كراهة الصلاة فرادى؛ لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يصل في المسجد لا منفردًا ولا بالجماعة، وعليه فالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ترك فضل المسجد النبوي ولم يصل فيه منفردًا، وهم يقولون: لو كانت الجماعة الثانية مشروعة بلا كراهة لما ترك فضل المسجد النبوي [2].
وإذا كان الحديث بهذه الاحتمالات فكيف يؤخذ به ويترك ما هو أوضح دلالة وأقوى سندًا؟ على أن المنع من إقامة جماعة ثانية قوي فيمن اعتاد التخلف عن الجماعة، وصار ديدنه إقامة جماعة ثانية. والله أعلم.
الحكم التاسع عشر من صلى ثم دخل مسجدًا صلى معهم
من آداب دخول المساجد أن من دخل مسجدًا فوجدهم يصلون وهو قد صلّى، فإنه يشرع له أن يصلي معهم، إدراكًا لفضل الجماعة، سواء كان الوقت وقت نهي أم لا، وتكون له نافلة؛ لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "صلّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتك الصلاة معهم فصلّ، ولا تقل: إني قد صليت فلا أصلي" [3].
قال النووى: (وفي هذا الحديث: أنه لا بأس بإعادة الصبح والعصر والمغرب كباقي الصلوات؛ لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أطلق الأمر بإعادة الصلاة ولم يفرق بين صلاة وصلاة، وهذا هو الصحيح في مذهبنا، ولنا وجه أنه لا يعيد الصبح والعصر؛ لأن الثانية نفل، ولا تنفل بعدهما، ووجه أنه لا يعيد المغرب؛ لئلا تصير شفعًا،
= أوهام" وانظر: مجمع الزوائد (2/ 45). [1] ميزان الاعتدال (4/ 139، 140). [2] انظر تحفة الأحوذي (2/ 9) وما بعدها. [3] أخرجه مسلم (648).
اسم الکتاب : الجامع لأحكام الصلاة المؤلف : عادل بن سعد الجزء : 1 صفحة : 114