responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الجامع لأحكام الصلاة المؤلف : عادل بن سعد    الجزء : 1  صفحة : 113
ولقد كان السلف الصالح من هذه الأمة أفهم منا لمدارك النصوص وأعلم بمقاصد الشرع، فجاء عن عدد منهم إقامة جماعة ثانية في مسجد قد صلى فيه، حين فاتتهم الجماعة الأولى. فقد ورد عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه دخل المسجد وقد صلوا فجمّع بعلقمة ومسروق والأسود [1].
وجاء أنس -رضي الله عنه- إلى مسجد قد صُلّي فيه فأذن وأقام، وصلى جماعة [2].
وعن ابن جريج: قلت لعطاء: نفر دخلوا مسجد مكة خلاف الصلاة -أي: بعد الصلاة- ليلًا أو نهارًا أو يؤمهم أحدهم؟ قال: نعم، وما بأس ذلك؟ [3].
وهناك آثار وأقوال أخرى تفيد جواز ذلك [4]، وفيما ذكر كفاية إن شاء الله.
وأما ما ورد عن السلف من كراهية جماعة ثانية وأنهم يصلون فرادى فلعله محمول على ما إذا اعتاد أناس إقامة جماعة دائمة في مسجد لا إمام راتب، يصلون وحدهم، ويخرجون وحدهم، فهذا لا يجوز؛ لأنه يؤدي إلى تفريق الكلمة، والقضاء على وحدة المسلمين واجتماعهم، كما أنه سبب لاختلاف القلوب، والتهاون بالصلاة مع الإمام، ولئلا يرغب رجال عن إمامة رجل فيجدون غيره إمامًا، فيؤدي ذلك على تقليل الجماعة مع الإمام الراتب وهذا ممنوع [5].
ولا ريب أن إقامة جماعة ثانية بصفة دائمة لم يكن في عصر الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وإنما حدث ذلك فيما بعد، فيكون من البدع، كما نص على ذلك جمع من أهل العلم، منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [6].
ومن الملاحظ أن إقامة جماعة ثانية لا يكون في الغالب من قوم كثر، بل يصلي واحد بمثله أو باثنين أو ثلاثة، ولا أظن أن أحدًا منهم يجري على باله تفريق الكلمة، أو التأخر عن الجماعة مع الإمام الراتب، ثم إن مثل هذه الجماعة إن وجدت في مساجدنا فهي في الغالب من عابري سبيل ليسوا من جماعة هذا المسجد الذي صلوا فيه، فالقول بجواز الجماعة الثانية على الصفة المذكورة وجيه، لما ذكر. والله أعلم.
أما ما يقع في المساجد التي على ظهر الطريق مما ليس فيه مؤذن راتب، ولا إمام معلوم، فيصلي فيه المارة جماعة جماعة فهذا لا محذور فيه؛ لأنه ليس فيه المعنى الذي تقدم من تفرق الكلمة، وأن يرغب رجال عن إمامة رجل فيجدون غيره إمامًا. قال النووي: (إذا لم يكن للمسجد إمام راتب فلا كراهة في الجماعة الثانية والثالثة بالإجماع) [7].
وقد استدل المانعون من إقامة جماعة ثانية في المسجد بحديث أبي بكرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة، فوجد الناس قد صلوا، فمال إلى منزله، فجمع أهله فصلى بهم [8].

[1] أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 323). قال في بلوغ الأماني (5/ 344): إسناده صحيح.
[2] أخرجه البخاري تعليقًا (2/ 131 الفتح). قال الحافظ في تغليق التعليق (2/ 277): هنا إسناد صحيح موقوف. اهـ.
[3] المحلى لابن حزم (4/ 237، 238).
[4] المصدر السابق، وانظر: فتاوى ابن باز (12/ 165 - 173) وابن عثيمين (15/ 93).
[5] انظر الأم للشافعي (1/ 180).
[6] مجموع الفتاوى (23/ 258).
[7] المجموع شرح المهذب (4/ 222).
[8] أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 304) وقال: "لهم لم يرو هنا الحديث عن خالد الحذّاء إلا أبو مطيع معاوية بن يحيى، ولا يروى عن أبي بكرة إلا بهذا الإسناد" قال في التقريب: "معاوية بن يحيى الطرابلسي، أبو مطيع، ... صدوق له =
اسم الکتاب : الجامع لأحكام الصلاة المؤلف : عادل بن سعد    الجزء : 1  صفحة : 113
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست