اسم الکتاب : الخلاصة في أحكام التجسس المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 132
جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ الْحَالَةُ أَحْكَامُهَا مُتَفَاوِتَةٌ، فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ، فِي الْجَاسُوسِ يَتَجَسَّسُ لِلْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ: إِنَّهُ يُوكَلُ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ التَّجَسُّسَ يَخْتَلِفُ الْمَقْصِدُ مِنْهُ إِذْ قَدْ يَفْعَلُهُ الْمُسْلِمُ غُرُورًا، وَيَفْعَلُهُ طَمَعًا، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ الْفَلْتَةِ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ دَأْبًا وَعَادَةً، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ذَلِكَ زَنْدَقَةٌ لَا تَوْبَةَ فِيهِ، أَيْ لَا يُسْتَتَابُ وَيُقْتَلُ كَالزِّنْدِيقِ، وَهُوَ الَّذِي يُظْهِرُ الْإِسْلَام وَيسر الْكفَّار، إِذَا اطُّلِعَ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ رِدَّةٌ وَيُسْتَتَابُ، وَهُمَا قَوْلَانِ ضَعِيفَانِ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ. وَقَدِ اسْتَعَانَ الْمُعْتَمِدُ ابْنُ عَبَّادٍ صَاحِبُ إِشْبِيلِيَةَ بِالْجَلَالِقَةِ عَلَى الْمُرَابِطِينَ اللَّمْتُونِيِّينَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فُقَهَاءَ الْأَنْدَلُسِ أَفْتَوْا أَمِير الْمُسلمين عليا بْنَ يُوسُفَ بْنِ تَاشَفِينَ، بِكُفْرِ ابْنِ عَبَّادٍ، فَكَانَتْ سَبَبَ اعْتِقَالِهِ وَلَمْ يَقْتُلْهُ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ اسْتَتَابَهُ.] (1)
وقال الإمام القرافي-رحمه الله-: [قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُجْتَهَدُ فِي الْجَاسُوسِ وَرَأى أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُهُ وَلَا نَعْلَمُ لَهُ تَوْبَةً قَالَ وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَيَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَ قَتْلِهِ وَصَلْبِهِ لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ دُونَ النَّفْيِ وَالْقَطْعِ لِبَقَاءِ الْفَسَادِ مَعَهُمَا] (2)
فقوله هنا: يجتهد في الجاسوس أي في اختيار كيفية قتله لا في أصل عقوبته كما هو واضحٌ من آخر الكلام، حيث استثنى النفي والقطع معللاً ذلك بأنهما لا يؤديان إلى قطع شر الجاسوس لبقائه حياً ومن ثم استمرار فساده.
وقال العلامة أبو الوليد ابن رشد -رحمه الله- حيث رجح قول ابن القاسم في عقوبة الجاسوس: [قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم صحيح؛ لأن الجاسوس أضر على المسلمين من المحارب، وأشد فسادا في الأرض منه؛ وقد قال الله تعالى في المحارب: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة:33]- الآية. فللجاسوس حكم المحارب إلا أنه لا تقبل له توبة باستخفافه بما كان عليه، كالزنديق، وشاهد الزور؛ ولا يخير الإمام فيه من عقوبات المحارب، إلا في القتل والصلب لأن القطع أو النفي لا يرفعان فساده في الأرض وعاديته
(1) - التحرير والتنوير (3/ 218)
(2) - الذخيرة للقرافي (3/ 400)
اسم الکتاب : الخلاصة في أحكام التجسس المؤلف : الشحود، علي بن نايف الجزء : 1 صفحة : 132