اسم الکتاب : الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة المؤلف : القحطاني، سعيد بن وهف الجزء : 1 صفحة : 461
فيصحّ الاعتكاف مقداراً من الزمن وإن قلَّ، ولو لحظة أو ساعة [1]، لقول الله تعالى: {وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [2]، وهذا اللفظ عام يشمل القليل والكثير، وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((والصواب في الاعتكاف أنه لا حدَّ لأكثره ولا لأقلِّه، وليس له حد محدود، فلو دخل المسجد ونوى الاعتكاف ساعة أو ساعتين فهو اعتكاف)) [3]، والله تعالى أعلم [4]. [1] الساعة في عرف الفقهاء جزء من الزمن، لا جزء من أربع وعشرين ساعة [الموسوعة الفقهية الكويتية، ونسبه لابن عابدين مع الدر المختار، 2/ 444، انظر: الموسوعة المذكورة، 5/ 213]. [2] سورة البقرة، الآية: 187. [3] سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الأحاديث: 2025 - 2027. [4] اختلف الفقهاء في مقدار اللبث المجزئ في الاعتكاف على أقوال على النحو الآتي: القول الأول: مذهب الحنابلة، والحنفية: ما يسمى به معتكفاً لابثاً، قال المرداوي في الإنصاف، 7/ 566: ((فعلى المذهب أقلَّه إذا كان تطوعاً أو نذراً مطلقاً ما يسمى به معتكفاً لابثاً))، قال ابن مفلح في الفروع، 5/ 143: ((فظاهره ولو لحظة وفاقاً للأصح عند الشافعية، وأقله عندهم مكث يزيد على طمأنينة الركوع أدنى زيادة ... ولا يكفي عبُورُه خلافاً لبعض الشافعية)). قال في الإنصاف، 7/ 566: ((وفي كلام جماعة من الأصحاب: أقله ساعة لا لحظة)).
القول الثاني: مذهب الشافعية في الأصح عندهم: تكفي لحظة، لكن لابد من اللبث في المسجد، فيكفي التردد فيه لا المرور بلا لبث، ويندب عندهم أن يكون يوماً؛ لأنه لم يرد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكف أقل من يوم.
القول الثالث: مذهب المالكية: أقل الاعتكاف يوم وليلة، والمستحب أن لا ينقص عن عشرة أيام.
ودليل من قال: أقله ساعة: قوله تعالى: {وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [سورة البقرة، الآية: 187]،وهذا يشمل القليل والكثير، وبعض ألفاظ حديث ابن عمر رضي الله عنهما في نذر عمر قال: سأل عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نذر كان نذره في الجاهلية اعتكافٍ، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بوفائه)). [البخاري، برقم 4320]. وهذا يشمل الاعتكاف القليل والكثير، والله أعلم.
ودليل من قال: أقل الاعتكاف: يوم وليلة؛ حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أوف بنذرك))، وفي رواية أنه نذر اعتكاف يوم فقال: يا رسول الله إنه كان عليَّ اعتكاف يوم في الجاهلية؟ ((فأمره أن يفي به))، وفي لفظ لمسلم: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوماً في المسجد الحرام، فكيف ترى؟ قال: ((اذهب فاعتكف يوماً)) [متفق عليه: البخاري، 2032، 2043، 3144، 4320، 6697،ومسلم برقم 27 - (1656) ورقم 28 - (1656)].
قال ابن حبان: ألفاظ هذا الحديث مصرحة بأنه نذر اعتكاف ليلة إلا هذه الرواية: ((اذهب فاعتكف يوماً)) ... فيشبه أن يكون أراد باليوم مع ليلته، وبالليلة مع اليوم، حتى لا يكون بين الخبرين تضاد. [فتح الباري لابن حجر، 4/ 274]، وقال ابن خزيمة، 3/ 348: ((إن العرب تقول يوماً: تريد بليلته، وتقول: ليلة: تريد بيومها))، لكن روى ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال - أي عمر -: يا رسول الله إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أوفِ بنذرك فاعتكف ليلة))، رواه الدارقطني، 2/ 199، وقال: ((هذا إسناد ثابت))، وهذا صريح في أنه إنما نذر اعتكاف ليلة، وعلى هذا فأقل ما ورد: يوم أو ليلة. [انظر: كتاب الفروع لابن مفلح،
5/ 143، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف، 7/ 566 - 567، والموسوعة الفقهية الكويتية،
5/ 212 - 213].
اسم الکتاب : الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة المؤلف : القحطاني، سعيد بن وهف الجزء : 1 صفحة : 461