المشهد السادس: مشهد التقصير: وأن العبد لو اجتهد في القيام بالأمر غاية الاجتهاد، وبذل وسعه، فهو مقصّر، وحق الله سبحانه عليه أعظم، والذي ينبغي له أن يقابل به من الطاعة والعبودية والخدمة فوق ذلك بكثير، وأن عظمته وجلاله سبحانه يقتضي من العبودية ما يليق بها، وإذا كان خدم الملوك وعبيدهم يعاملونهم في خدمتهم بالإجلال لهم، والتعظيم، والاحترام، والتوقير، والحياء، والمهابة، والخشية، والنصح، بحيث يُفَرّغون قلوبهم وجوارحهم لهم، فمالك الملوك، ورب السموات والأرض، أولى أن يعامل بذلك، بل بأضعاف ذلك.
وإذا شهد العبد من نفسه أنه لم يوف ربه في عبوديته حقه، ولا قريباً من حقه، علم تقصيره، ولم يسعْه مع ذلك غير الاستغفار، والاعتذار من تقصيره وتفريطه، وعدم القيام بما ينبغي له من حقه، وأنه إلى أن يغفر له العبودية، ويعفو عنه فيها أحوج منه إلى أن يطلب منه عليها ثواباً، وهو لو وفَّاها حقها كما ينبغي، لكانت مستحقّة عليه بمقتضى العبودية؛ فإن عمل العبد، وخدمته لسيده، مستحقّ عليه بحكم كونه عبده ومملوكه.
ومن هنا يُفْهَم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه أبو داود، والإمام أحمد، من حديث زيد بن ثابت، وحذيفة وغيرهما: ((إِنَّ اللَّهَ لَوْ عذَّبَ أهْلَ سَمَوَاتِهِ، وأهْلَ أرْضِهِ، لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ لَكَانَتْ رَحْمَتُهُ خيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ)) [1][2].
الثالث عشر: أقسام الناس في الخشوع في الصلاة
الناس يختلفون في الخشوع في الصلاة على حسب حضور قلب [1] مسند أحمد، 35/ 465، برقم 21589، وسنن أبي داود، كتاب السنة، باب في القدر، برقم 4701، وسنن ابن ماجه، أبواب السنة، باب في القدر، برقم 77، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 77. [2] رسالة ابن القيم لأحد إخوانه، ص 33 - 46.