responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فقه الابتلاء وأقدار الله المؤلمة المؤلف : البدراني، أبو فيصل    الجزء : 1  صفحة : 29
يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام: 42 - 44] فنعوذ بالله أن نكون من أهل هذه الآية، ونسأله بمنه وكرمه أن يتوب علينا وأن يبصرنا بمواطن الزلل منا، وأن لا يضربنا بقسوة القلب، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
ملاحظة هامة: قيل أن سبب الابتلاء بالضراء الرئيسي للمكلفين هو الاختبار من الله جل جلاله للمكلفين وأما الذنوب فلا شك أنها من أسباب المصائب، ولكن ليس في نصوص الشرع ما يدل على أن المصائب لا تكون إلا بالذنوب، فقد يُصاب بعض الناس لحكم أخرى , فالمصيبة أعم من العقوبة فقد تكون بذنب وقد تكون بلا ذنب وذلك لسبب مقتض مصلحته أعظم من مراعاة المصلحة العاجلة والخاصة للعبد ويدلك على هذا قوله تعالى عن الموت (فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ) فسماه مصيبة وهو يصيب كل إنسان، من أشرف الأنبياء إلى أكفر الخلق, فكل عقوبة بذنب وليست كل مصيبة وابتلاء بضراء تكون بذنب، وكذا الابتلاء والبلاء , قال تعالى (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) وقال تعالى (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ)، وهو كما ترى مما لا تعلق له بالذنب وإنما المصائب أحياناً تكون لمجرد الزيادة في اليقين والرفعة والاختبار، قال تعالى (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ).
ولا نُنكر أنه قد جاء لفظ "المصيبة" يُراد به العقوبة كما قال تعالى: ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)). كما هي العادة بمجيء العام على معنى بعض أفراده، وقد تقدم أن المصيبة أعم من العقوبة , وبهذا يتبين لك أن من أسباب المصائب الذنوب، ولكنها ليست السبب الوحيد، فقد يبتلي الله تعالى بعض عباده الصالحين الذين لم يستوجبوا العقاب بذنوبهم، لينالوا أجر الصابرين، وترتفع بذلك درجاتهم.
وهنالك مذهب آخر يقول:
أن كل ما أصاب العبد المكلف من المصائب لا يكون إلا بسبب من العبد إما من أصل الشر الذي في نفسه لأنه خلق ظلوماً جهولاً، وإما من الذنب الذي قد اقترفه , واستدلوا بالحديث الوارد في خطبة الحاجة: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا). ومن الأدعية النبوية الصديقية: (أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءاً أو أجره إلى مسلم).فالاستعاذة بالله من شرور النفس من جنس الابتلاء والامتحان، وهو تمحيص للشرور الموجودة في النفوس نفس كل واحد من بنى آدم بلا استثناء وقد لا يسمى هذا النوع عقوبة، لكن السبب بلا شك من العبد، كما قال تعالى: "وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ". ومن الملاحظ هنا، أن سبب الامتحان ليس هو الإيمان والصلاح والتقوى! بل سببه ما يتبقى في النفوس من الشرور , ولذلك كان لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده وأهله وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة , فالأنبياء أشد الناس بلاءً، ليصبح شر النفس عندهم أقل القليل أو عدماً , هذا والله تعالى أعلم.

اسم الکتاب : فقه الابتلاء وأقدار الله المؤلمة المؤلف : البدراني، أبو فيصل    الجزء : 1  صفحة : 29
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست