وفي رواية الترمذي، والنسائي "ثم يتوضأ منه" بدل "يغتسل"، والحكم فيهما واحد، فإن كُلًّا منهما رفع حدث.
والذي ذهب إليه الشافعي، أن الماء الدائم -وهو الراكد- لا ينجس لوقوع النجاسة فيه، ما لم يتغير أو كان دون القلتين.
وقد تقدم خلاف الأئمة فيه، والاعتبار بالبول في الماء الدائم عنده وعند من وافقه واعتبر القلة والكثرة.
ويُحمل هذا النهى على أحد أمرين: إما على تخصيصه بالماء القليل، أو أنه على جهة الاستحباب, لأن النفس تعاف الماء إذا خالطه البول، ولو كان قُلَّتَيِنْ.
وقد ذهب داود، إلى أنه إذا بال في الماء الراكد، فلم يتغير أنه لا ينجس, ولكن لا يجوز له أن يتوضأ منه، ويجوز لغيره، لأنه إذا تغوط فيه ولم يتغير لم ينجس, وأجاز له ولغيره الوضوء منه عملًا بظاهر الحديث.
وفي هذا الحديث دليل على أن حكم الماء الجاري بخلاف الراكد, لأن الشيء إذا ذكر بأَخَصِّ أَوْصَافِه، كان حكم ما عداه بخلافه.
والمعنى فيه: أن الماء البخاري إذا خالطه النجو [1] دفعه الجري الثاني، الذي يتلوه فيه فيغلبه فيصير في معنى المستهلك، ويَخْلُفُهُ الطاهر الذي يخالطه النجس, والماء الراكد لا يدفع النجس عن نفسه إذا خالطه، لكن يداخله ويقاربه فمهما أراد استعمال شيء منه، كان النجس فيه قائمًا، والماء قليل فكان مُحَرَّمًا، واللَّه أعلم.
... [1] النجو: ما يخرج من البطن من ريح وغائط. اللسان مادة: نجا.