وفي رواية الشافعي: "ثم يغتسل منه".
وفي رواية البخاري وأبي داود "ثم يغتسل فيه" والفرق بينهما، أن الاغتسال منه هو: أن يأخذ منه ماءً فيغتسل به.
وأما الاغتسال فيه فهو: أن يدخل في الماء ويغتسل وهو داخل فيه؛ لأن قوله "فيه" يفيد الظرفية، فجعل الماء ظرفًا له، وهذا يظهر اعتباره فيما إذا كان دون القلتين، فإنه إذا أخذ منه شيئًا فاغتسل به صح غسله، وبقيت فضلة الماء بحالها.
فأما إذا دخل في الماء وغط فيه، وكان الماء دون القُلَّتَيِنْ، فإنه يطهر ويصير الماء مستعملًا، وذلك بِخلاف القُلَّتَيِنْ فإنه لا يؤثر فيه الاستعمال، نص عليه الشافعي في الأم.
وقال بعض أصحابه: لا يجوز التوضؤ به وإن كان أكثر من قلتين، والأول أولى.
وقوله: "يغتسل منه أو فيه" فيه ترتيب لوقوع الغسل بعد البول، وأن النَّهْيَ عن الاغتسال، إنما هو لأجل وجود البول فيه.
فأما في رواية أبي داود الثانية: "ولا يغتسل فيه من الجنابة".
فظاهرها لايفيد ما أفادته لفظة "ثم"، وكأن الحديث تضمن نَهْيين، أحدهما: النهي عن البول في انماء الدائم، والآخر: النهي عن الاغتسال في الماء الدائم، فيكون فائدته النهي عن دخول الماء الدائم، والاغتسال فيه، هذا مدلول اللفظ، ويكون الاغتسالُ فيه سالبًا له حُكْمَ الطهوريةِ، كما يسلبه إياها البول.
ويزيد البول عليه بأنه ينجسه لنجاسته في نفسه، والجنب ليس بنجس البدن، لكن اغتساله فيه يجعله مستعملًا.