النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الجواب جوابًا عما لم يُسْأَل عنه دليل على جواز أمثاله من الزيادات في الأجوبة إذا كنت حال السائل كحال السائل، فإن ذلك تعريفٌ بطرق الرشاد وهداية إلى مناهج الصلاح [1] والمعنى الذي دل عليه قوله: "هو الطهور ماؤه" وما أشرنا إليه من الأعراض اللطفة والمقاصد الشريفة موجود في قوله "الحل ميتته" ولفظة "وهو" في قوله: "هو الطهور ماؤه" ضمير راجع إلى البحر وموضعه رَفْعٌ بالابتداء، "الطهور ماؤه" خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول الذي
هو البحر، والهاء التي أضيفت إليها الماء راجعة إلى المبتدأ الأول وإن شئت قلت: هو مبتدأ والطهور بمعنى الذي طهر، وماؤه فاعل والجملة خبر المبتدأ لكنها في هذا القول من فعل وفاعل والتقدير في قوله "الحل ميتته" كذلك.
وقوله: "هو الطهور ماؤه" قد جعل ذاته جميعها طاهرة، ثم فسر بقوله "ماؤه"، وكذلك جعل ذاته حِلًّا ثم فسر الحل بالميتة، وفي هذا من البلاغة مالا يخفى على العارفين بمواقع الخطاب الواقفين على حدود الفصاحة من أولى الألباب.
"والأرماث" -جمع رَمث بفتح الميم- وهو الطّوفُ من الخشب يضم بعضه إلى [بعض] [2] فيركب في البحر والأنهار، والذي ذهبت إليه الشافعية العمل بهذا الحديث، فماء البحر عنده طاهر مطهر يزيل به النجاسة ويرفع به الحدث وقد عمل بذلك من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أبو بكر وعمر، وعلي، وابن [1] وهذا ما يسميه علماء الأصول: جواب الحكيم.
قال ابن القيم -رحمه اللَّه-: يجوز للمفتي أن يجيب السائل بأكثر مما سأله عنه، وهو من كمال نصحه وعلمه وإرشاده، ومن عاب ذلك فلقلة علمه وضيق عطنه وضعف نصحه، وقد ترجم البخاري لذلك في صحيحه فقال: باب من أجاب السائل بأكثر مما سأل عنه. إعلام الموقعين (4/ 128) وقال النووى -رحمه اللَّه-: واستحب العلماء أن يزيد -أي المفتي- على ما في الرقعة ما له تعلق بها مما يحتاج إليه السائل لحديث (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) مقدمة المجموع (1/ 48) وانظر فتح الباري (1/ 279). [2] ليست موجودة بالأصل والسياق يقتضيها.