الجِلْسة والرِّكْبة، وفي جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا السائل بقوله: "هو الطهور ماؤه الحل ... " بلاغة معروفة من كلامه وفصاحةٍ خاصةٍ بألفاظه، فإنه لو قال له في الجواب: نعم. لم يحصل للسائل غرضه لكنه - صلى الله عليه وسلم - عدل عن هذا الجواب إلى الجواب الذي أتى بالغرض على أكمل وجه مقرونًا بعلة الجواز وهي الطهورية المتناهية في مائه، ثم إنه قدم الطهارة على الماء فقال: "هو الطهور ماؤه" ولم يقل: ماؤه الطهور؛ لأنه في هذا المقام أشد عناية بذكر الوصف الذي اتصف به الماء وجاز الوضوء به وهو الطهورية دون ذكر الماء، فقدم في الذكر الأهم عنده والأحوج إليه. فانظر إلى ما في هذا الجواب السديد من الفائدة التي في قوله: "نعم" هذا إلى ما كان يجوز أن يُحْمل لفظة "نعم" عليه من أن ذلك إنما أجازه رخصة لهذا السائل ولمن كان في حاله ممن معه القليل من الماء وأنه مع كثرة الماء لا يجوز الوضوء به، وهذا الاحتمال من النبي - صلى الله عليه وسلم - منتف بذكر العلة في جواز الوضوء به وهي [1] وأن ذلك وصف لازم له سواء قل الماء مع المسافرين فيه أو كثر، ثم [...] [2] - صلى الله عليه وسلم - لما أجاب السائل عن سؤاله أضاف إليه جوابًا على شيء ولم يسأله عنه فقال - صلى الله عليه وسلم -: "الحل ميتته" لأنه لما سأله عن ماء البحر فأجابه رأى من المصلحة لهذا السائل أن يعرفه لهم في طعام البحر لعلمه أنهم قد يعرض لهم إذا ركبوا البحر قلة الزاد كما أعوزهم الماء العذب، فلما جمعتهم الحاجة إليهما جمع الجواب عنهما وأبان عن الحكم فيهما, ولأن علم طهارة ماء البحر أمر ظاهر عند الأكثرين وعلم حال ميتة البحر وكونها حلالًا مشكل في الأصل؛ فلما رأى السائل جاهلًا بأظهر الأمرين، علم أن أخفاهما بالبيان أولاهما, ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أعلمهم بطهارة ماء البحر، وقد علم أن في البحر حيوانًا قد يموت فيه، -والميتة نجس- احتاج أن يظهر أن حكم هذا النوع من الميتة حلال بخلاف سائر الميتات وألا يتوسموا أن ماءه ينجس بحلولها فيه، وفي إضافة [1] يبدو أنه وقع سقط هنا. [2] بياض قدر كلمتين.