وقول الفقهاء: إن الحائض بعد انقطاع الدم إذا اغتسلت يستحب لها أن تأخذ يسيرًا من مسك فتطيب به مواضع الدم، ليذهب به ريحه، قالوا: "والفِرْصَة" القطعة من كل شيء.
وأهل اللغة: لم يطلقوا هذا القول، وإن كان القياس يقتضيه لأنه من الفرص: القطع.
فإن لم تجد المسك أخذت طيبًا غيره، وهذا من غسل الحيض عند الفقهاء، عملًا بهذا الحديث.
ولذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فرصة ممسكة" أي مطيبة بالمسك وهذا ظاهر في اللغة، أي تأخذ قطعة من صوف أو قطن أو خرقة فتطيبها بالمسك، وتتبع بها أثر الدم فيحصل منه فوائد الطيب والتنشيف وإزالة الدم بالمسح.
وهذه الرواية أوضح من الأولى وأبين، واتفق عليها البخاري ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
والأولى لم يخرجها أبو داود، وقد حكى أبو داود في بعض طرقه عن أبي الأحوص قرصة -بالقاف- يعني شيئًا يسيرًا يؤخذ من المسك مثل: القرصة بطرف الإصبعين: الإبهام والسبابة، ولكنه لم يذكر "من المسك" لما أورده في آخر حديثه الذي ذكر فيه "فرصة ممسكة" كما سبق.
قال الخطابي في شرح هذا الحديث، في معالم السنن [1]: وقد تأول بعضهم "الممسكة" على معنى الإمساك دون الطيب، يقال: أمسكت [2] الشيء ومسكته يريد أنها تمسكها بيدها فتستعملها، وقال: متى كان المسك عندهم بالحال التي يمتهن؛ فيتوسع في استعماله وفي هذا الموضع [3].
وهذا الأمر وإن كان حكاه الخطابي والحالة تناسبه، ولكن الصحيح الأول وهو الذي ذهب إليه الفقهاء والمحدثون من الصدر الأول، وهم أعرف بتأويل [1] معالم السنن (1/ 97). [2] في المعالم: (مسَّكت). [3] في المعالم: (هذا التوسع).