responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : القبس في شرح موطأ مالك بن أنس المؤلف : ابن العربي    الجزء : 1  صفحة : 898
أخذ فأما الطائفة الأولى الوعيدية فقد تعلقت بظواهر الآيات والآثار وهذا هو الذي دعا سالفة علمائنا المتكلمين رحمة الله عليهم إلى انكار العموم وقد بينا القول بصحته وأنه لا يحتاج إلى ذلك معهم فإن الحق ظاهر والأدلة بيّنه وحمل التقصير كثيراً من علمائنا على أن يقولوا أن الله تعالى لا ينفذ وعيده فإن ترك إنفاذ الوعيد من مكارم الأخلاق.
قال الشاعر:
وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إبعادي ومنجز موعدي (1)
وقد بيّنا أن ذلك إنما يتصور في المخلوق الذي يجوز له الكذب بعذر ويتصور منه على الإطلاق فأما الصادق الواجب الصدق فلا يجوز أن يقع مخبره بخلاف خبره ويتعالى الباري عزّ وجلّ عن الأخلاق الذميمة وإنما له الصفات العلية ومنها الصدق في الكلام لكن الآيات والأخبار وإن جاءت بإطلاق القول في الوعيد فقد جاءت أخر بإطلاق القول في الوعد كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله حرمه الله على النار) [2] وبهذا تعلقت المرجئة.
وكقوله (إن بغياً من بني إسرائيل مرت بكلب يأكل الثرى من العطش فنزعت موقها وسقته من ركية [3] فغفر الله لها) [4].
وههنا نكت كثيرة بيانها في موضعها لا يخفى عليكم الآن منها نكتة بديعة وهي أن الباري تعالى رحيم شديد العقاب فلا بد أن يأخذ كل حكم من أحكام الصفتين جزءاً من الخلق تتحقق فيه الصفة وكذلك هو غفور منتقم فلا بد أن يكون للمغفرة جزء معلوم من الخلق وللإنتقام جزء معلوم وتحقيق ذلك الشفاعة فمن نظر إلى صفة من صفات الباري جل وعز وآمن بها وترك البواقي لا يكون مؤمناً بالله وكذلك من نظر إلى أخبار الوعد دون أخبار

(1) البيت لعامر بن الطفيل كما في لسان العرب 3/ 464.
[2] رواه أبو داود في سننه (3116) والحكم في المستدرك 1/ 351 وقال صحيح الإسناد ورافقه الذهبي ورواه أحمد في المسند 5/ 233 من طريق صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة عن معاذ بن جبل مرفوعاً به وصالح هذا مقبول كما قال الحافظ في ت ص 273 وقال في ت ت 4/ 398 روى عنه الليث وحيوة بن شريح وابن لهيعة وعبد الحميد بن جعفر الأنصاري وغيرهم والحديث صححه الحكم وأقره الذهبي وكذلك الشيخ ناصر في المشكاة 1/ 509 ولكنه في إرواء الغليل 3/ 149 حسنه ولعله الأقرب من أجل صالح بن عريب.
[3] الركية بفح الراء وكسر الكاف وتشديد التحتانية البئر مطوية أو غير مطوية وغير المطوية يقال لها جب وقليب ولا يقال لها بئر حتى تطوى وقيل الركي البئر قبل أن تطوى فإذا طويت فهي الطوى. فتح الباري 6/ 516.
[4] البخاري في كتاب الأنبياء البخاري مع الفتح 6/ 511، وأحمد في المسند 2/ 507 من حديث أبي هريرة.
اسم الکتاب : القبس في شرح موطأ مالك بن أنس المؤلف : ابن العربي    الجزء : 1  صفحة : 898
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست