responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : السنة كلها تشريع المؤلف : موسى شاهين لاشين    الجزء : 1  صفحة : 57
مَوْضُوعُ بَحْثِنَا) فَقَدْ ذَهَبَ طَوَائِفٌ مِنْ حَشْوِيَّةِ الفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الوُجُوبِ، عُزِيَ ذَلِكَ إِلَى ابْنِ سُرَيْجٍ ... أَمَّا الوَاقِفِيَّةُ فَيُطْرَدُونَ [مَذَاهِبَهُمْ] فِي الوَقْفِ [فِي هَذِهِ الصُّوَرَةِ أَظْهَرُ]، وَأَمَّا أَصْحَابُ النَّدْبِ فَقَدْ يَصِيرُونَ إِلَيْهِ، وَهُوَ رَدِيءٌ مُزَيَّفٌ».

ثم قال: «فَالمُخْتَارُ إِذَنْ أَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لاَ يَدُلُّ بِعَيْنِهِ، وَلَكِنْ يُثَبِتُ عِنْدَنَا وُجُوبَ حَمْلِهِ عَلَى نَفْيِ الحَرَجِ فِيهِ عَنْ الأُمَّةِ، وَمُسْتَنَدُ هَذَا الاخْتِيَارِ إِلَى عِلْمِنَا أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ اخْتَلَفُوا فِي حَظْرٍ أَوْ إِبَاحَةٍ فَنَقَلَ النَّاقِلِ فِي مَوْضِعِ اخْتِلاَفِهِمْ فِعْلاً عَنْ المُصْطَفَىَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَفَهِمُوا مِنْهُ أَنَّهُ لاَ حَرَجَ عَلَىَ الأُمَّةِ فِي فِعْلِهِ. وُجَاحِدُ هَذَا جَاهِلٌ بِمَسَالِكِ النَّقْلِ فَضْلاً عَنْ المَعْنَى وَاللَّفْظِ» [14] ثم قال: «وَالذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاهِيرُ الأُصُولِيِّينَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا رَأَىَ مُكَلَّفًا يَفْعَلُ فِعْلاً، أَوْ يَقُولُ قَوْلاً، فَقَرَّرَهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ شَرْعًا مِنْهُ فِي رَفْعِ الحَرَجِ فِيمَا رَآهُ» [15] وقال الشاطبى: «جُمْهُورُ الأُصُولِيِّينَ يَرَوْنَ أَنَّ الفِعْلَ مِنَ الرَّسُولِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَىَ مُطْلَقِ الإِذْنِ الذِي يَشْمَلُ الوُجُوبَ وَالنَّدْبَ وَالإِبَاحَةَ، مَا لَمْ يُوجَدْ دَلِيلٌ عَلَىَ تَعْيِينِ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَكَوْنُ الفِعْلِ صَادِرًا عَنْ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلامُ - بِوَصْفِهِ بَشَرًا كَالأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ الجِبِلِيَّةِ قَرِينَةً عَلَىَ أَنَّ الفِعْلَ يُفِيدُ الإِبَاحَةَ، لاَ الوُجُوبَ وَلاَ النَّدْبَ» [16].

هذه النصوص سُقْنَاهَا لِنُحَدِّدَ المُرَادَ من قضيتنا [السُنَّةُ كُلُّهُا تَشْرِيعٌ] وَقَدْ بَيَنَّا أَنَّ المُرَادَ من السُنَّةِ أقوال النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأفعاله وتقريراته، وَأَنَّ المُرَادَ من التشريع إثبات حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، ولو الإباحة، فأصبح المدلول: أقوال النبى - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأفعاله وتقريراته كلها تثبت حُكْمًا شَرْعِيًّا.

يؤكد هذا المعنى الإمام ابن تيمية - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - فيقول: «فَكُلُّ مَا قَالَهُ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ النُّبُوَّةِ، وَأَقَرَّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُنْسَخْ فَهُوَ تَشْرِيعٌ، لَكِنَّ التَّشْرِيعَ يَتَضَمَّنُ الإِيجَابَ وَالتَّحْرِيمَ وَالإِبَاحَةَ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ المَنَافِعِ فِي الطِّبِّ. فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ إبَاحَةَ [ذَلِكَ] الدَّوَاءِ وَالانْتِفَاعَ بِهِ فَهُوَ شَرْعٌ لإِبَاحَتِهِ، وَقَدْ يَكُونُ شَرْعًا لاسْتِحْبَابِهِ ... وَالمَقْصُودُ: أَنَّ جَمِيعَ أَقْوَالِهِ يُسْتَفَادُ مِنْهَا شَرْعٌ» [17].

وَيُصَرِّحُ بهذه القضية بوضوح عُمْدَةُ المُحَقِّقِينَ الأُصُولِيِّينَ الأستاذ الدكتور عبد الغني عبد الخالق [18] إذ يقول - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: «فَكُلُّ مَا تَلَفَّظَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عَدَا القُرْآنِ - أَوْ ظَهَرَ مِنْهُ، مِنْ ابْتِدَاءِ رِسَالَتِهِ إِلَى نِهَايَةِ حَيَاتِهِ، فَهُوَ مِنْ سُنَّتِهِ، سَوَاءٌ أَثَبَتَ حُكْمًا

(14) " البرهان " لإمام الحرمين: 1/ 487 وما بعدها. [انظر صفحة 70 من هذا الكتاب].
[15] المصدر السابق: ص 498.
(16) " الموافقات ": 4/ 58. [انظر صفحة 69 من هذا الكتاب].
(17) " مجموعة الفتاوى ": 18/ 11، 12.
[18] كان - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - أستاذاً ورئيس قسم أصول الفقه في كلية الشريعة - جامعة الأزهر - توفي سَنَةَ 1983 م.
اسم الکتاب : السنة كلها تشريع المؤلف : موسى شاهين لاشين    الجزء : 1  صفحة : 57
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست