اسم الکتاب : تحرير علوم الحديث المؤلف : الجديع، عبد الله الجزء : 1 صفحة : 239
المال والنفس والعرض، فإذا أمر الله بفرض العدالة فيمن يشهد على درهم، ففرضها في حق من يقول: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) آكد وأعظم، من جهة اتصال ذلك بحفظ ضرورة الدين.
فكيف إذا ضممت إلى ذلك ما عظمته النصوص المتواترة في الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم؟ فغير العدل لا يمنعه شيء من الكذب.
من أجل ذلك قال الله عز وجل في القذفة: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4].
قال مسلم بن الحجاج: " والخبر وإن فارق معناه معنى الشهادة في بعض الوجوه، فقد يجتمعان في أعظم معانيهما " [1].
قلت: بل شأن الحديث يرجح من بعض الوجوه، خصوصاً في جانب ضبط الرواية، كما سيأتي في ذكر الفرق ما بين الشهادة والرواية.
وهاتان الجهتان اللتان ذكرت ظاهرتان في وجوب حمل الحديث عن العدول، لا عن غيرهم.
وأما ما روي من نصوص مباشرة في اشتراط ذلك فلا يثبت منه شيء، كحديث: " هلاك أمتي في العصبية والقدرية والرواية عن غير ثبت "، فهذا حديث موضوع [2]. [1] مقدمة صحيح مسلم (ص: 9). [2] أخرجه الفريابي في " القدر " (رقم: 388) _ وعنه: الطبراني في " الكبير " (11/ 89 _ 90 رقم: 11142) _ وابن أبي عاصم في " السنة " (رقم: 326، 950) _ ومن طريقه: أبو نعيم في " المستخرج (رقم: 39) _ والبزار (رقم: 191 _ كشف الأستار) والرامهرمزي في " المحدث الفاصل " (ص: 412 _ 413) والعقيلي في " الضعفاء " (4/ 359) _ ومن طريقه: ابن الجوزي " الموضوعات " (رقم: 539) _ وابن عدي في " الكامل " (1/ 243، 244، و 8/ 438) واللالكائي في " السنة " (رقم: 1130) من طريقين عن هارون بن هارون، عن مجاهد عن ابن عباس، به مرفوعاً.
ورواه بقية بن الوليد، فقال: عن أبي العلاء، عن مجاهد، عن ابن عباس.
أخرجه ابن عدي (1/ 244) وأبو نعيم في " المستخرج " (رقم: 39) واللالكائي في " السنة " (رقم: 1129) وابن عبد البر في " التمهيد " (1/ 58) والخطيب في " الكفاية " (ص: 74) والسمعاني في " أدب الإملاء " (ص: 56).
قلت: أبو العلاء هذا هو هارون بن هارون، كذلك كناه بقية، وكان مبتلى بالتدليس.
فأخرجه العقيلي (4/ 359) _ ومن طريقه: ابن الجوزي في " الموضوعات " (رقم: 539) _ من طريق بقية، قال: حدثنا هارون بن هارون أبو العلاء الأزدي، عن عبد الله بن زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس.
وكذلك أخرجه ابن عدي (1/ 244)، لكنه لم يذكر كنية هارون.
وترى ههنا أنَّ هارون هذا إنما أخذه بواسطةٍ عن مجاهد، فهو تارةً يُسقطها، وتارة يذكرها، وتارة يكني عنها، فقد قال بقية مرة: عن هارون بن هارون أن شيخاً من الأنصار حدثه، عن مجاهد عن ابن عباس. كذلك أخرجه ابن عدي (1/ 244).
وعبد الله بن زياد شيخ هارون فيه: هو آفته، وهو ابن سمعان، وكان يتلاعب بإسناده، فقال فيه مرة أيضا: عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس. أخرجه ابن عدي (1/ 244).
وقال مرة _ إن ثبت عنه _: عن عطاء، يعني ابن رباح، عن ابن عباس. أخرجه الرامهرمزي في " المحدث الفاصل " (ص: 412) والخطيب في " الكفاية " (ص: 74) من طريق أحمد بن حازم الغِفاري، قال حدثنا حسن بن قتيبة، عنه. وحسن هذا ضعيف.
قال ابن عدي: " رواة هذا الحديث شوَّشوا الإسناد، وبلاءُ هذه الأحاديث من هارون بن هارون، وهو منكر الحديث،. . وعبد الله بن زياد بن سمعان ضعيف جدا، وهؤلاء كلهم اضطربوا في إسناده لوْناً لوْناً ".
قلت: بل ظاهر الأمر أنه حديث ابن سمعان، هو الذي كان يتلاعب في تركيب أسانيده عن ابن عباس، وهارون أسقطه في بعض روايته تدليساً، كما قال ابن الجوزي: " ترك ذكر ابن سمعان لأنه كذاب "، وما هذا بالاضطراب.
وقال البزار: " لا نعلمه يُروى بهذا اللفظ من وَجهٍ صحيح، وإنما ذكرناه إذ لا يُحفظ من وجه أحسن من هذا، وهارون ليس بالمعروف بالنقل ".
وقال ابن الجوزي: " حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم " وحمل فيه على ابن سمعان، فقال: " هو المتهم بهذا الحديث ".
قلت: ابن سمعان هو عبد الله بن زياد بن سليمان بن سِمعان مدني كذبوه، وهو متروك الحديث.
فقوْل ابن عبد البر بعد هذا: " هذا حديث انفرد به بقية عن أبي العلاء، وهو إسناد فيه ضعف لا تقوم به حُجة "، وقال: " والحديث الضعيف لا يُدفع وإن لم يُحتج به، ورُبَّ حديث ضعيف الإسناد صحيح المعنى "، فهذا لو كان الضعف يسيراً لسوء حفظ مع الصدق، أما أن يتبيَّن أن أصل هذا الحديث ينتهي إلى ابن سمعان لا يتجاوزه، فلا.
ورُوي مرفوعاً من حديث أبي قتادة الأنصاري، وعلي بن أبي طالب.
أما حديث أبي قتادة، فأخرجه الطبراني في " الصغير " (رقم: 432) " الأوسط " (4/ 336 رقم: 3579) وابن عدي (1/ 244) والخطيب في " الكفاية " (ص: 74) و " الجامع لأخلاق الراوي " (رقم: 1261) والسمعاني في " أدب الإملاء " (ص: 56) من طريق محمد بن إبراهيم بن العلاء الشامي، حدثنا سويد بن عبد العزيز، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، به.
قلت: وإسناده واهٍ، ابن العلاء هذا مُتهم بوضْع الحديث وسويد ضعيف الحديث.
وأما حديث علي، فأخرجه ابن عدي (1/ 245) من طريق عمر بن شبَّة، قال: حدثني عيسى بن مُحمد (! ) بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي، به ضمن سياق. في ذم العصبية.
قال ابن عدي: " وهذا الحديث لا أعلم يرويه غير عيسى بن محمد ".
قلت: كذا ذكره ابن عدي، والصواب: (عيسى بن عبد الله) وذكر (ابن مُحمد) خطأ في الإسناد، فعيسى من أبناء عبد الله، وكذلك ترجم له الأئمة، وهو آفة هذا الحديث، وسائر الإسناد يُحتمل، لكنه قد هوى به، فهو متروك الحديث، أتى بموضوعات.
وروى هذا الحديث أبو البختري وهب بن وهب بإسنادٍ إلى الحسن البصري، به مرسلاً.
أخرجه ابن عدي (1/ 245 _ 246) وأبو البختري هذا من أعيان المعروفين بالكذب ووضْع الحديث.
اسم الکتاب : تحرير علوم الحديث المؤلف : الجديع، عبد الله الجزء : 1 صفحة : 239