اسم الکتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية معالم وضوابط - ط الوفاء المؤلف : القرضاوي، يوسف الجزء : 1 صفحة : 89
ج ـ ولهذا أرى أن أرجح التفسيرات لهذا الحديث ما ذكره الحافظ في " الفتح " بقوله: «وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ المُرَادُ بِالأَزْمِنَةِ المَذْكُورَةِ أَزْمِنَةَ الصَّحَابَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ هُمُ المُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ، فَيَخْتَصُّ بِهِمْ فَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُمْ فَلَمْ يُقْصَدْ فِي الخَبَرِ المَذْكُورِ لَكِنَّ الصَّحَابِيَّ فَهِمَ التَّعْمِيمَ فَلِذَلِكَ أَجَابَ مَنْ شَكَا إِلَيْهِ الحَجَّاجَ بِذَلِكَ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ وَهُمْ أَوْ جُلُّهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ» [35]. اهـ.
وعلى هذا التفسير يحمل كلام ابن مسعود أيضًا: فهو خاص بأزمنة من كان يخاطبهم من الصحابة والتابعين , وقد توفى في زمن عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -.
وأما زعم من زعم أن الحديث يتضمن دعوة إلى السكوت على الظلم والصبر على التسلط والجبروت , والرضا بالمنكر والفساد , ويؤيد السلبية في مواجهة الطغاة المتجبرين في الأرض ...
فالرد على ذلك من عدة أوجه: ـ
أولاً: إن القائل «اصْبِرُوا» هو أنس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - , فليس هو من الحديث المرفوع.
وإنما استنبطه منه , وكل واحد يؤخذ من كلامه ويترك ما عدا المعصوم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ثانيًا: إن أنسًا لم يأمرهم «بالرضا» بالظلم والفساد , وإنما أمرهم «بالصبر» وفرق كبير بين الأمرين , فالرضا بالكفر كفر , وبالمنكر منكر , وأما الصبر فقلما يستغني عنه أحد , وقد يصبر المرء على الشيء وهو كاره له , وساع في تغييره.
ثالثًا: إن من لم يملك القدرة على مقاومة الظلم والجبروت , ليس له إلا أن يعتصم بالصبر والأناة , مجتهدًا أن يعد العدة , ويتخذ الأسباب , معتضدًا بكل من يحمل فكرته , ومنتهزًا الفرصة المواتية , ليواجه قوة الباطل بقوة الحق , وأنصار الظلم بانصار العدل.
وقد صبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثة عشر عامًا في مكة على الأصنام وعبادها , فيصلي بالمسجد الحرام ويطوف بالكعبة وفيها وحولها ثلاثمائة وستون صنمًا , بل طاف في السنة السابعة من الهجرة مع أصحابه في عمرة القضاء , وهو يراها [35] المرجع السابق.
اسم الکتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية معالم وضوابط - ط الوفاء المؤلف : القرضاوي، يوسف الجزء : 1 صفحة : 89