اسم الکتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية معالم وضوابط - ط الوفاء المؤلف : القرضاوي، يوسف الجزء : 1 صفحة : 87
هل كل زمن شرّ مما قبله؟:
روى البخاري بسنده إلى الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الحَجَّاجِ، فَقَالَ: «اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلاَّ الذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ» سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ويتخذ بعض الناس من هذا الحديث تكأة للقعود عن العمل , ومحاولة الإصلاح والإنقاذ مدعيًا أن الحديث يدل على أن الأمور في تدهور دائم , وسقوط مستمر وَهَوِىٍّ متتابع , من درك إلى درك أسفل منه , فهي لا تنتقل من سيء إلا إلى أسوأ ولا من أسوأ إلا إلى الأسوأ منه , حتى تقوم الساعة على شرار الناس ويلقى الناس ربهم.
وآخرون توقفوا في قبول الحديث , وربما تعجل بعضهم فَرَدَّهُ , لأنه في ظنه يدعو:
أولاً: إلى اليأس والقنوط.
وثانيًا: إلى السلبية في مواجهة الطغاة من الحكام والمنحرفين.
وثالثًا: يعارض فكرة " التطور " التي قام عليها نظام الكون والحياة.
ورابعًا: ينافي الواقع التاريخي للمسلمين.
وخامسًا: يعارض الأحاديث التي جاءت في ظهور خليفة يملأ الأرض عدلاً (وهو الذي عرف باسم المهدي) وفي نزول عيسى ابن مريم , وإقامته لدولة الإسلام وإعلاء كلمته في الأرض كلها.
ومن الحق علينا أن نقول: إن السابقين من علمائنا قد وقفوا عند هذا الحديث مستشكلين «الإطلاق» فيه. يعنون بالإطلاق ما فهم من الحديث: أن كل زمن شر من الذي قبله , مع أن بعض الأزمنة تكون في الشر دون التي قبلها ولو لم يكن في ذلك إلا زمن عمر بن عبد العزيز , وهو بعد زمن الحجاج ـ الذي عمت الشكوى منه ـ بيسير. وقد اشتهر الخير الذي كان في زمن عمر بن عبد العزيز , بل لو قيل: إن الشر اضمحل في زمانه , لما كان بعيدًا , فضلاً عن أن يكون شَرًّا من الذي قبله.
اسم الکتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية معالم وضوابط - ط الوفاء المؤلف : القرضاوي، يوسف الجزء : 1 صفحة : 87