ومن غرائب ما سمعته في فضل أمته - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - حديث:
- «عُلَمَاءُ أُمَّتِي كَأَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ».
والحديث مما اشتهر وضعه , ونص العلماء في كتب المصطلح على أنه مكذوب.
وقد دلل الخطيب المذكور على صحة الحديث بحكاية ذكرها , مضمونها: أن الإمام أبا حامد الغزالي لقى سيدنا موسى في الرؤيا أو في عالم الأرواح , فقال له كليم الله موسى: «مَا اسْمُكَ؟»، قَالَ: «مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنُ مُحَمَّدٍ الغَزَّالِيُّ الطُّوسِيُّ ... » الخ ... قَالَ: «سَأَلْتُكَ عَنْ اسْمِكَ وَلَمْ أَسْأَلْكَ عَنْ نَسَبِكَ , قَالَ: «وَأَنْتَ سَأَلَكَ اللهُ عَمَّا بِيَمِينِكَ فَلَمْ تَقُلْ عَصَا , وَتَسْكُتَ , بَلْ قُلْتَ: «{هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه: 18]»! قَالَ: «فَحَجَّ الغَزَّالِيُّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -!!». وبهذا أثبت الخطيب صدق الحديث المكذوب , وهكذا نروج البضاعة الكاسدة من غرائب الحكايات والمنامات والإسرائيليات في غيبة البضاعة الطيبة من الأحاديث الصحاح والحسان. وتطرد العملة الرديئة العملة الجيدة , كما يقول الاقتصاديون!
وهذه آفة قديمة , حتى إن بعض العلماء المتشددين في رواية الحديث , والذين هم من اهل الثقة والمعرفة , إذا ألفو في الموضوعات الوعظية تساهلوا غاية التساهل كما رأينا ذلك في كتب أبي الفرج ابن الجوزي (ت 597 هـ) الوعظية مثل " ذم الهوى" مع تشديده في كتاب " الموضوعات " و" العلل المتناهية " ونحوها ...
ومثل ذلك الحافظ النقاد شمس الدين الذهبي , فقد تساهل كثيرًا في كتابه " الكبائر " لما له من طبيعة وعظية.
وكذلك الحافظ المنذري في كتابه الجامع " الترغيب والترهيب " فقد ذكر فيه عددًا كبيرًا من الأحاديث الواهية المنكرة بل الموضوعة , ما كان أغناه عنها - رَحِمَهُ
اسم الکتاب : كيف نتعامل مع السنة النبوية معالم وضوابط - ط الوفاء المؤلف : القرضاوي، يوسف الجزء : 1 صفحة : 68