ما ختم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثه الشريف في قوله: « ... التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا» فانظر إلى خبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الواثق في الله تعالى" [1].
وهذا يدل على صدق ما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإعجاز في حديثه من جهتين:
إن رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- يخبر عن حال أهل الفاحشة في كل زمان ومكان، بثقة المتكلم عن الله، وما كان أغناه أن يصف الطواعين والأوجاع بأنها لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، هذا لو كان بشرا عاديا حتى يضمن كلامه في المستقبل ... ولكن رسولنا الكريم يثق في الله تعالى ويتكلم عن الله، فأنبأ أن هذه الطواعين والأوجاع سيصيب الله بها أهل الفاحشة، وستكون جديدة وغير معروفة. وهكذا نرى في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إعجازين:
"الأول: إخباري ... تحديد لأهل الفاحشة بقوله: إن الله سيبتليهم بأمراض.
الثاني: طبي إعجازي ... تحديد نوعية هذه الطواعين بأنها لم تكن في أسلافهم الذين مضوا .. " [2].
والإعجاز النبوي يظهر في الحديث أيضاً في منع الشخص المقيم في أرض الوباء أن يخرج منها حتى وإن كان غير مصاب، فإن منع الناس من الدخول إلى أرض الوباء قد يكون أمراً واضحاً ومفهوماً بدون الحاجة إلى معرفة المرض، ولكن منع من كان في البلدة المصابة بالوباء من الخروج منها حتى وإن كان الشخص سليماً أمر غير واضح العلة، والعادة أن الإنسان يفر من البلدة المصابة إلى بلدة أخرى سليمة، حتى لا يصاب بالعدوى، لكن الطب الحديث أثبت أن الشخص السليم في منطقة الوباء قد يكون حاملاً للميكروب، وكثير من الأوبئة تصيب العديد من الناس، ولكن ليس كل من دخل جسمه الميكروب يصبح مريضاً، فكم من شخص يحمل جراثيم المرض دون أن يبدو عليه أثر من آثاره، فالحمى الشوكية، وحمى التيفود، والزخار، والباسيلي، والسل، بل وحتى الكوليرا، والطاعون قد تصيب أشخاصاً عديدين دون أن يبدو على أي منهم علامات المرض، بل ويبدو الشخص وافر الصحة سليم الجسم، [1] قواعد تناول الإعجاز العلمي والطبي في السنة وضوابطه، للأستاذ الدكتور: عبدالله بن عبدالعزيز المصلح، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ط1: 32. [2] انظر موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث للأستاذ عبدالرحيم مارديني، دار المحبة، بيروت: 120 - 121.