ذلك مذكر بالكسوفات التي تكون بين يدي الساعة، ويمكن أن يكون ذلك الكسوف منها، ولذلك قام النبي -صلى الله عليه وسلم- فزعًا يخشى أن تقوم الساعة؛ وكيف لا وقد قال الله -عز وجل-: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [1]؟.
وأيضًا فإن كل ما في هذا العالم علويّه وسفليّه دليل على نفوذ قدرة الله تعالى، وتمام قهره، واستغنائه، وعدم مبالاته، وذلك كله يُوجب عند العلماء بالله خوفه وخشيته؛ كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [2]، وخصّ هنا خسوفهما بالتخويف؛ لأنهما أمران علويان نادران طارئان عظيمان، والنادر العظيم مخوف موجع، بخلاف ما يكثر وقوعه، فإنه لا يحصل منه ذلك غالبًا.
وأيضًا فلما وقع فيهما من الغلط الكثير للأمم التي كانت تعبدهما، ولما وقع للجهّال من اعتقاد تأثيرتهما" [3].
العاشر: الجزم بوقوع الكسوف:
من المخالفات العقدية المتعلقة بهذه الآية الكونية الجزم بوقوع الكسوف، ووقوع الكسوف يدرك بالحساب، وليس من علم الغيب والمستقبل، إلا أنه لا يجزم بوقوعه، ولا يصدق القائل به ولا يكذب، لأنه أمر حسابي قد يصيب وقد يخطئ، كأخبار بني إسرائيل ([4])،"وفرق بين من يعلن ذلك ويجزم به، وبين من يخبر عن أهل الحساب أنهم يقولون ذلك" [5]. [1] القيامة: 7 - 9. [2] فاطر: 28. [3] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: 2/ 552 - 553، وانظر: فتح الباري: 2/ 537، وكشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي، تحقيق: علي حسين البواب، دار الوطن، الرياض، ط: 1/ 406، فقد ذكر سبع فوائد لحدوث الكسوف. [4] انظر: فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم: 3/ 128. [5] انظر: المرجع السابق: 1/ 168.