وبعد طرسوس نزل أبو عبيد مصر بصحبة يحيى بن معين سنة ثلاث عشرة ومائتين وكتب وصنف بها [1].
وفي سنة تسع عشرة ومائتين وقيل سنة أربع عشرة ومائتين خرج أبو عبيد من العراق إلى مكة للحج [2]. فلما عزم العودة إلى العراق واستأجر مركبا بعد الفراغ من حجه رأى رؤيا كانت سببا في مجاورته للبلد الأمين حتى مات.
قال أبو عبيد: فرأيت النبي صلّى الله عليه وسلم في النوم وهو جالس على فراشه وقوم يحجبونه والناس يدخلون إليه ويسلمون عليه ويصافحونه. قال: فلما دنوت لأدخل مع الناس منعت فقلت لهم: لم لا تخلّون بينى وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟
فقالوا: إي والله، لا تدخل إليه ولا تسلم عليه وأنت خارج غدا إلى العراق فقلت لهم: فإني لا أخرج إذا، فأخذوا عهدي ثم خلوا بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدخلت وسلمت وصافحت، فلما أصبح قرر الإقامة في مكة فلم يغادرها حتى مات [3].
الحالة العلمية في عصره
: لقد عاش أبو عبيد القاسم بن سلّام في أرقى عصور الإسلام من الجانب العلمي والفكري. إذ في العصر العباسي الأول أيام خلافة هارون الرشيد، المهدي، الهادي، المأمون مثلا، ظهر في حاضرة بلاد الإسلام علماء أجلاء قعّدوا العلوم وأصّلوها وأفردوها بالتصنيف والإضافة والتكميل فكان بحق العصر الذهبي لعلوم هذا الدين.
وقد حفل معظم خلفاء بني العباس بالعلم وأولوه عنايتهم وقربوا العلماء وأعلوا منازلهم كالخليفة المهدي فإنه أول من أمر بتصنيف كتب الجدل في الرد على الزنادقة والملحدين [4]. وهارون الرشيد الذي أحال بغداد قبلة لطلاب العلم [1] انظر: التهذيب 8/ 315، 316. [2] انظر: نزهة الألباء ص 141، وتهذيب الأسماء واللغات الجزء الثاني من القسم الأول/ 258. ومعجم الأدباء 8/ 254. [3] انظر: معجم الأدباء 8/ 256، 257، إنباه الرواة 21، مرآة الجنان 2/ 85، 86، طبقات النحويين واللغويين 2190. [4] تاريخ الخلفاء للسيوطى ص 271.