اسم الکتاب : جماليات المفردة القرآنية المؤلف : أحمد ياسوف الجزء : 1 صفحة : 302
ونحن لا ننكر جهوده في مواضع أخرى، كما تبين في الصفحات السابقة في هذه الفقرة، وما سيتبين في مسألة تمكّن الفاصلة القرآنية في الفقرة التالية، ولعلّ جمال «خائنة» يكمن في صيغتها على اسم الفاعل، وهي تدلّ على الحركة أكثر من الاسم، وتفيد الكثرة في استمرارها.
وقد قال البيومي عن شواهد ابن أبي الإصبع هذه: «فهذا الكلام- الفرائد- لو ترجم إلى لغة عصرنا لترجم عما يسمّيه النقاد باللفظ الموحي، وما يبعثه في الجملة من الظلال والأضواء، ووقوع ابن أبي الإصبع على هذه الألفاظ والجمل في كتاب الله يدل على ذوق بصير، ونحن نأخذ عليه أنه أحسن الاختيار، ولم يأت بما يجمل من التحليل» [1].
ونكتفي بهؤلاء الأعلام، لأن كل كلمة قرآنية يمكن أن تقع تحت عنوان «مناسبة المقام»، وأيضا لحذر الإطالة غير المجدية، فالتّكرار كان في الشواهد نفسها، وفي التّعليق الفني، فمثلا لا يبتعد أبو السّعود كثيرا عن تذوق الزمخشري، فهو يقلّده أحيانا بالنقل الحرفي أو بأسلوب التذوق، كما أعاد ابن قيّم الجوزية ما ورد عند الرماني حول كلمة «ظمئان» وغيرها [2].
ولا بأس أن نجري هنا موازنة في شاهد واحد بين الزمخشري وسيّد قطب، لنعلم اختلاف النظرات، يقول تعالى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [3] يقول الزمخشري حول كلمة «يتربّصن»: «إخراج الأمر في صورة الخبر تأكيد للأمر وإشعار بما يجب أن يتلقّى بالمسارعة إلى امتثاله، فكأنهن امتثلن الأمر بالتربّص، وذلك لأن أنفس النساء طوامح إلى الرجال، فأمرهنّ أن يقمعن أنفسهنّ، ويغلبنها على الطّموح، ويجبرنها على التّربّص» [4].
فهو ينطلق من معيار جمال اللغة، ليقدمه تبريرا. [1] البيومي، د. محمد رجب، خطوات في التفسير، ص/ 295. [2] انظر ابن قيم الجوزية، الفوائد، ص/ 145. [3] سورة البقرة، الآية: 228، القرء: الحيض أو الطّهر. [4] الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف: 1/ 365، وانظر تفسير النسفي:
1/ 113. وتفسير أبي السعود: 1/ 225.
اسم الکتاب : جماليات المفردة القرآنية المؤلف : أحمد ياسوف الجزء : 1 صفحة : 302