اسم الکتاب : جماليات المفردة القرآنية المؤلف : أحمد ياسوف الجزء : 1 صفحة : 233
يقول عن لفظة «يتجرّعه»: «وما أحسب شفتيك إلا منقبضتين استقباحا واستهجانا لحال الكافر الذي يتجرع صديده، ولا يكاد يسيغه، فتستشعر في لفظة التجرّع ثقلا وبطءا يدعوان إلى التّقزّز والكراهية» [1].
والباحث لا يدّعي تصوير المشهد بالصّوت، بل يكتفي بلفتة الزمخشري النّفسية، وهذا الثّقل أو الشّدة موطنه في قوة الجيم والرّاء، والأخير متكرر بطبعه، وهو مضعّف هنا، وتعطي العين الاحتكاكية شيئا من مظهر التقزّز الحسي، فهذا التشكيل الصوتي يجسّد صعوبة دخول الصّديد، وليس في المفردة حرف ليّن أو هامس.
والجديد عند صبحي الصالح أن عملية التجسيم هذه لا تقتصر على معاني القوة والبطش والتهديد، فقد رأيناه يتحدث في المكان نفسه عن همس السين التي ناسبت موقف تصوير الصبح في سورة التكوير.
وهنالك وقفات متناثرة لعبد الكريم الخطيب حول هذه الجمالية، وهو لا يجمعها تحت عنوان معيّن، بيد أنّها غنيّة المضمون، غزيرة في استكشاف الإيحاءات، وكما قلنا سابقا إنه لا يقف عند مفردة واحدة، بل يفتّش عن معنى الآية المتجسّد في توالي أصوات مناسبة، ولا يدّعي أكثر من المناسبة كما هي الحال عند صبحي الصالح، فالأمور ظنّية وليست قطعية غامضة، كما ورد في أسلوب قطب.
لقد ذكرنا شاهدين في الفقرة السابقة للخطيب في سياق إبعاد ما يسمّى بالثّقل الصّوتي، وهاهنا نورد ما ذكره حول الآية الكريمة: تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ [2]، فنقرأ في كتابه: «استمع إلى هذه الموسيقا المتدفّقة منها تدفّق السّيل الهادر في لجّة البحر العميق، إنها لو صيغ منها لحن موسيقي يجري مع مقاطعها ومخارجها، لكان منه أروع نغم تسمعه الأذن، فالتاء من الحروف المتفجّرة، وإذا كانت مفتوحة اتسعت رقعة انفجارها، فإذا وقع بعدها سكون كان هو القرار الذي يمسك هذا الدّويّ الحادث من التفجير (تل- تف- تذ)، [1] الصالح، د. صبحي، مباحث في علوم القرآن، ص/ 336. [2] سورة يوسف، الآية: 85.
اسم الکتاب : جماليات المفردة القرآنية المؤلف : أحمد ياسوف الجزء : 1 صفحة : 233