اسم الکتاب : جماليات المفردة القرآنية المؤلف : أحمد ياسوف الجزء : 1 صفحة : 232
ويمكن أن نقول مثل هذا في «حصّل»، ونخلص إلى أن المبارك على الرغم من كونه ملمّا بفقه اللغة لم يتزحزح كثيرا عن منهج قطب، ووقفاته على قلّتها في حاجة ماسّة إلى تبرير ما يجعل الشّكل الصوتي مصوّرا.
ويجب أن نكون حذرين في هذا المقام لأن هذا الأمر أصلا فرضيّة متحقّقة في بعض المفردات، ولأن الاحتمال يخطئ ويصيب.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن ابن جني قد رصد الكلمات التي أدخلت حرفا ما فاشتركت في معنى واحد، كأن تدخل الفاء على الدّال، والتّاء والطاء والراء واللام والنون فتشكّل كلمات كلها تدلّ على الضّعف والوهن، مثل فتور، فرد، الفارط، الرّديف، الطّفل وغيرها [1].
ويتحدث صبحي الصالح عن جمال المفردة في فصل الإعجاز من كتابه «مباحث في علوم القرآن»، ويخصّص صفحات ثلاثا للمفردات المصوّرة بأصواتها، إذ يقول: «تكاد تستقلّ بجرسها ونغمها بتصوير لوحة كاملة يكون فيها اللون زاهيا أو شاحبا، والظّلّ شفيفا، فحين تسمع همس السين المكررة تكاد تستشفّ نعومة ظلّها، مثلما تستريح إلى خفّة وقعها في قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ، الْجَوارِ الْكُنَّسِ، وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ، وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ» [2]، بينما تقع الرهبة في صدرك وأنت تسمع لاهثا مكروبا صوت الدال المنذرة المتوعدة مسبوقة بالياء المشبعة المديدة في لفظة «تحيد» بدلا من تنحرف أو تبتعد، في قوله: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ، ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [3].
وهو ينتقل مباشرة إلى الأثر النفسي، ولا يتغلغل في صفات الحروف بما يرضينا، خصوصا أنّه ذو ثقافة متخصّصة باللغة، ومن هذا القبيل عند ما يورد الآية الكريمة: وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ، يَتَجَرَّعُهُ، وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ «[4]»، [1] انظر ابن جني، الخصائص: 2/ 145. [2] سورة التكوير، الآيات: 15 - 18. [3] الصالح، د. صبحي، مباحث في علوم القرآن، ص/ 385، سورة ق/ 19. [4] سورة إبراهيم، الآيتان: 16 - 17.
اسم الکتاب : جماليات المفردة القرآنية المؤلف : أحمد ياسوف الجزء : 1 صفحة : 232